وهم كثير منهم الفرزدق, وهذا البيت ينشد على ثلاثة أوجه: رفع ونصب وخفض, فإذا قلت: كم عمة فعلى معنى: رُبَّ, فإن قلت: كم عمةً فعلى وجهين: على ما قال سيبويه في لغة من ينصب في الخبر, وعلى الاستفهامِ١, فإن قلتَ: كم عمةٌ فرفعتَ أوقعتَ "كم" على الزمان فقلت: كم يومًا عمة/ ٣٦٤ لك وخالة قد حلبت عليّ عشاري, أو كم مرة ونحو ذلك.
واعلم: أنك إذا قلت: كم عمة فلست تقصد إلى واحدة بعينها. وكذلك إذا نصبت. فإن رفعت لم يكن إلا واحدة؛ لأن التمييز يقع واحدة في موضع الجميع. فإذا رفعت فإنما المعنى: كم دانقًا هذا الدرهم الذي أسألك عنه, فالدرهم واحد لأنه خبر وليس بتمييز, وإذا فصلت بين كم وبين الاسم وبشيء استغنى عليه السكون, أو لم يستغن فاحمله على لغة الذين يجعلونها بمنزلة اسم منون, وانصب لأنه قبيح أن تفصل بين الجار والمجرور قال زهير:
تَؤُمُّ سَنانًا وكَمْ دُونَهُ ... من الأرضِ مُحدوْدِبًا غَارُهَا٢
١ انظر: الكتاب ١/ ٣٩٤.
٢ من شواهد سيبويه ١/ ٢٩٥. على فصل "كم" من المجرور بها ونصبه على التمييز لقبح الفصل بين الجار والمجرور. والغار: هنا الغائر من الأرض والمطمئن، وجعله محدودبا لما يتصل به من الأكمام ومتون الأرض. وقيل في الغائر: غار، كما قيل في الشائك شاك. وفي السائر سار. وصف ناقة له فقال: تؤم سنانا، هذا الممدوح على بعد المسافة بينها وبينه.
وانظر: المحتسب ١/ ١٣٨، وشرح السيرافي ٣/ ١٩، والمفصل للزمخشري/ ١٨١، وابن يعيش ٤/ ١٢٩، والإنصاف/ ١٧٣، وشواهد الألفية للعاملي/ ٤٠٨، ولم يوجد في ديوان زهير المطبوع.