مالكاً، وتُجمع الروايات على أنه استعار الموطأ وحفظه عن ظهر قلب، وتحدد بعض الروايات أنه حفظه في تسع ليالٍ.
ولم يشأ -وهو الشريف النسيب- أن يلقى مالكاً الذي يتحدث الناس بمهابته ومكانته من غير أن يحمل كتاباً من والي مكة، فحمل الكتاب إلى والي المدينة، الذي صحبه إلى باب مالك، في قصة لسنا لتفصيلها ولا لإيجازها، ولكن الذي يعنينا منها أن الذي شفع عند مالك، وقدّم الشافعي له -بحق- هو علم الشافعي: قراءته للموطأ ظاهراً، وليس كتاب الوالي.
ذلك أن مالكاً رضي الله عنه نظر إلى الشافعي، ورأى حداثة سنه، فقال له: تجيء الغد، والتْمس من يقرأ لك، فقال له الشافعي: أنا أقرأ ظاهراً.
فلما كان الغد جلس الشافعي بين يدي مالك، فقرأ ظاهراً والكتاب في يده، كما روى عن هذا اللقاء العلمي الأول، يقول: قرأت قدراً ثم تهيبت مالكاً، فأمسكت، فأشار: زِدْ، وكلما هبتُه وأمسكت يقول: يا فتى زِدْ، أعجبه حسنُ قراءتي وإعرابي.
جلس الشافعي إلى مالك، وقرأ عليه الموطأ في أيامٍ يسيرة، ثم لزمه يتفقه علمه، ويدارسه المسائل، ويتأمل منهجه في الفتوى والاستنباط.
وقد تنبأ له مالك بأنه سيكون ذا شأن فقال له: " يا غلام، إن الله ألقى في قلبك نوراً، فلا تطفئه بالمعصية "!!
لزم الشافعي مالكاً، وحاز فقهه، ولكن في كم من السنين؟ وكم سنة دامت هذه الصحبة؟
* أكثر الروايات أنه لزمه حتى وفاته في سنة ١٧٩ هـ، وعلى هذا يكون بقاؤه في المدينة ستة عشر عاماً؛ فقد رحل إليها وسنه ثلاثة عشر عاماً، أي في سنة ١٦٣ هـ باتفاق.
* ويقول الشيخ زاهد الكوثري -في تعليقاته على ترجمة ابن عبد البر للشافعي في الانتقاء-: إنه رحل إلى اليمن وسنه سبعة عشر عاماً، وعلى ذلك تكون صحبته لمالك وبقاؤه في المدينة أربع سنوات فقط، يستدل على ذلك بأن الشافعي يروي عن مالك -في غير الموطأ- بثلاث وسائط فأكثر.
* وتكاد تجمع الروايات على أن مسلم بن خالد أجازه بالفتوى في سن خمسة عشر، وكان ذلك في مكة بالطبع؛ فيكون بقاؤه في المدينة مدة سنتين فقط.