والقول الثاني: وهو المنصوص عليه في القديم، أنه يقتصر على تسليمة واحدة من غير تفصيلٍ. ومعتمد هذا القول ما روي عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم تسليمةً واحدة تلقاء وجهه (١).
فأمّا التفصيل، فالتعويل فيه على إبلاغ الحاضرين، قلّوا أو كثروا، فإن قلنا: يقتصر على تسليمة واحدة، فلتكن تلقاء وجه المسلّم من غير التفات. وإن قلنا يسلم مرتين، فيلتفت في أولاهما عن يمينه، وفي الثانية عن يساره.
ثم قال الشافعي: فيلتفت حتى يُرى خداه، فاختلف أصحابنا في معناه، فمنهم من قال: يرى خداه من كل جانب، وهذا بعيد، فإنه إسراف في الانحراف. والصحيح أن المعنيَّ به أن يرى خداه من الجانبين، من كل جانب خد.
ثم ذكر العلماء: أنه ينوي السلام على من عن يمينه ويساره من أجناس المؤمنين: من الجنّ، والإنس، والملائكة، ثم مَنْ على اليمين واليسار يقصدون الرد عليه عند الإقبال عليه.
وإن فرعنا على قول التفصيل، فالمنفرد والمأموم يقتصران على تسليمة واحدة.
ثم يقول المسلّم في كل تسليمة: السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم التسليمة الثانية تقع وراء الصلاة، وقد تم التحلل بالأولى، ولو فرض حدث مع التسليمة الثانية، لم تبطل الصلاة، ولكن شرط الاعتداد بالتسليمة الثانية إذا ندَبنا إليها دوامُ الطهارة؛ فإنها وإن كانت تقع بعد التحلل عن الصلاة، فهي من أتباع الصلاة. فالظاهر عندي أن شرط الاعتداد بها الطهارةُ، والله أعلم.
٨٨٥ - ثم إن كان المصلي إماماً، فإذا تحلّل، فلا ينبغي أن يلبث على مكانه، بل
(١) حديث عائشة رواه الترمذي: أبواب الصلاة، باب التسليم في الصلاة، ح ٢٩٦، وابن ماجة: كتاب إقامة الصلاة، باب من يسلم تسليمة واحدة، ح ٩١٩، وابن حبان: ٣/ ٢٢٤ ح ١٩٩٢، والحاكم: ١/ ٢٣٠، ٢٣١، والدارقطني: ١/ ٣٥٨. ورواه ابن حبان من وجه آخر: ٤/ ٧٢ ح ٢٤٣٣، وهذا إسناده صحيح على شرط مسلم، قاله الحافظ. وأما الأول فالموقوف أصح من المرفوع. وفي كل مقال، (انظر التلخيص: ١/ ٤٨٥ ح ٤٢٠).