ومما احتجوا به ما روى البراء ابنُ عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أكل لحمه، فلا بأس ببوله" (١) وهذا يعسُر تأويلُه حملاً على المداوة؛ فإنَّ جواز ذلك لا يختص بما يؤكل، ولكن أقرب مسلك فيه، أنه صلى الله عليه وسلم بيَّن أنه لا ينفع شيء من الأبوال، إلا بول ما يؤكل لحمه، والعلم عند الله.
١٠٧٧ - ثم لا فرق عندنا في التنجيس بين ذرق الطيور ورجيع الحيوانات ومذهب أبي حنيفة معروف في ذرق الحمام وغيرها (٢)، واختلاف أئمتنا معروف في خُرء السمك والجراد، وكلِّ شيء يخرج منهما، وسبب هذا الاختلاف أنها مستحَلّة الميتات، فإذا فارقت الحيواناتِ في هذه الجهة، ظهر الخلاف فيما ذكرناه.
وذكر الصيدلاني وغيره: إنا إذا حكمنا بطهارة ميتات ما ليس لها نفس سائلة، فهل نحكم بطهارة هذه الأشياء منها؟ فعلى وجهين، وهذا أبعد عندي مما ذكرناه في السمك والجراد؛ فإن ميتات هذه الأشياء لا تحل، وإذا حكمنا بأن الآدمي لا ينجس بالموت، لم يقتض ذلك الحكمَ بطهارة فضلاته، ولكن الفرق واضح؛ فإن سبب الحكم بطهارة ما ليس له نفس سائلة أنها إذا ماتت لا تفسد، بل تعود كأنها جمادات، والآدمي بخلاف ذلك، فإنه ينتن إذا مات ويفسد، وسبب الحكم بطهارته ما يتعلق به من تعبُّد الغُسل والحرمة، ولا يظهر في تنجس فضلاته ما يخالف موجَب الحرمة.
واختلاف الأئمة في فضلات بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد سبق ذكره في كتاب الطهارة.
فهذا تمهيد القول فيما يستحيل في الحيوانات.
١٠٧٨ - ونذكر الآن ما استثناه الشرع، فنقول أما ألبان الحيوانات المأكولات اللحوم، فلا شك في حلها وطهارتها، وذلك عندي في حكم الرخص؛ فإن الحاجة
= والذرَب: داء يعرض للمعدة، فلا تهضم الطعام، ويفسد فيها ولا تمسكه (المعجم).
(١) حديث البراء بن عازب، رواه الدارقطني بلفظ: "لا بأس ببول ما أكل لحمه" ورواه عن جابر باللفظ الذي ساقه به إمام الحرمين. قال الحافظ: "وإسناد كل منهما ضعيفٌ جداً" (ر. التلخيص: ١/ ٤٣ ح ٣٧).
(٢) ر. البدائع: ١/ ٧٦، حاشية ابن عابدين: ١/ ٢١٣، ٢١٤.