١٤٦٢ - واتفقت الطرق على أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالنبوة والرسالة، وسائر وجوه المناقب التي خصه الله تعالى بها، لا يقوم مقامَ الصلاة عليه، فلا بد منها، ويشهد لتعينها (١) وجوبها على التعيين في الصلاة بعد التشهد.
وذكر العراقيون ذكرَ الله وذكرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتعرضوا للحمد ولا للصلاة، وظنّي أنهم أرادوا الحمد والصلاة، ولكنَّ لفظَهم ما (٢) نقلته.
١٤٦٣ - فأما القول في الحث على التقوى، فلا شك أن لفظ الوصية ليس معيَّناً، وإنما الغرض الاستحثاث على التقوى بأية صيغة كانت، ثم التقوى تجمع كلَّ وعظ، وهي مشعرة بالإقدام على المأمورات، والإحجام عن المنهيات، وقد بحثت عن الطرق، فلم أرها متعينة، بل الغرض الوعظ، وقد نص عليه الشافعي في الإملاء فيما نقله الشيخ أبو علي، وأبواب المواعظ راجعة إلى الحث على الطاعة، والزجر عن المعصية، وفي أحدهما إشعار بالثاني، فيقع الاكتفاء به، وأما التحذير عن عقاب الله، والترغيب في ثواب الله، ففي ذكرهما، أو ذكر أحدهما كفاية عن التصريح بالأمر بطاعة الله، والنهي عن مخالفته، فيما أراه. وهذا حقيقة التقوى.
فأما الاقتصار على ذكر التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها، فلست أراه كافياً، من جهة أنها مما يتواصى به المعطّلة المنكرون للمعاد.
وينبغي أن يكون الوعظ في أول درجاته مشعراً بمواعيد الشرع والتزامها. وكذلك الأمر بالإحسان المطلق، من غير تعرض لذكر الله تعالى، ما أراهُ مجزياً.
وأما ذكر الموت، فإن اشتملت الوصية على الأمر بالتأهب والاستعداد له، فهو كاف، وإن لم يَجْر إلا ذكره، فهو من الاقتصار على ذكر فناء أعراض الدنيا فيما أظن.
١٤٦٤ - ومما يدور في الخلد أن الخاطب لو اقتصر على كلم معدود، ليس فيها هزٌّ، واستحثاث على الخير، أو زجر عن معصية، مثل أن يقول: أطيعوا الله واجتنبوا معاصيه. فهذا القدر لو فرض الاقتصار عليه، فالذي يؤخذ من قول الأئمة أنه كافي؛
(١) زيادة من (ت ١).
(٢) في الأصل، و (ط): من.