" واستثنى الأصحاب نحو عشرين مسألة أو أكثر، وقالوا يفتى فيها بالقديم، وقد يختلفون في كثير منها " (١).
هذا نص كلام النووي، وقد عدّد نحو عشرين مسألة، مع الخلاف في بعضها، فطالعها إن شئت، ولا داعي للإطالة بذكرها.
ولكن هل تعدّ هذه المسائل من مذهب الشافعي، أم يقال: إن أصحاب الشافعي خالفوه في هذه المسائل، وعملوا فيها بخلاف مذهبه؟
الصواب الذي قاله المحققون، وجزم به المتقنون من الأصحاب: أن العمل في هذه المسائل والفتوى بالقديم فيها ليس من مذهب الشافعي (٢).
وخالف آخرون حكى النووي قولهم بقوله: " وقال بعض الأصحاب: إذا نص المجتهد على خلاف قوله، لا يكون رجوعاً عن الأول، بل يكون له قولان " وعقب قائلاً:
" قال الجمهور: هذا غلط؛ لأنهما كنصين للشارع تعارضا، وتعذر الجمع بينهما، يعمل بالثاني، ويترك الأول، فإذا علمت حال القديم، ووجدنا أصحابنا أفتوا بهذه المسائل على القديم، حملنا ذلك على أنه أداهم اجتهادهم إلى القديم لظهور دليله، وهم مجتهدون، فأفتَوْا به، ولا يلزم من ذلك نسبته إلى الشافعي، ولم يقل أحد من المتقدمين في هذه المسائل: إنها مذهب الشافعي، قال ابن الصلاح: فيكون اختيار أحدهم للقديم فيها من قبيل اختيار مذهب غير الشافعي إذا أداه اجتهاده إليه؛ فإنه إذا كان ذا اجتهادٍ، اتبع اجتهاده " (٣).
وكل هذا إذا لم يعضد القديمَ حديثٌ صحيح، لا معارض له، فإنه حينئذٍ يكون مذهباً للشافعي؛ عملاً بقوله: " إذا صح الحديث، فهو مذهبي ".
(١) المجموع للنووي: ١/ ٦٦.
(٢) معنى كلام النووي في السابق نفسه.
(٣) مقدمة المجموع: ١/ ٦٧ (بتصرف).