وإن قلنا: عرضُ اليمين مستحق؛ فإذا حلف رب المال، سقطت الطَّلِبَة في جميع هذه الوجوه.
١٨٤٣ - وإن نكل عن اليمين، فقد اختلف أئمتنا على أوجه، فمنهم من قال: يقضى عليه بنكوله، وهذا فائدة استحقاق اليمين. فإن قيل: القضاء بالنكول يخالف مذهب الشافعي. قلنا: نحن لا نقضي بالنكول في خصومات الآدميين، لإمكان ردّ اليمين فيها على المدعي، والرد هاهنا غير ممكن، لا على الساعي؛ فإنه نائب، ولا على المساكين، فإنه لا نهاية لهم، فمنتهى الخصومة نكولُه فقضي به.
١٨٤٤ - ومنهم من قال: لا يقضى بنكوله، جرياً على القاعدة في الامتناع عن القضاء بالنكول. و خصومة (١) الزكاة أولى بهذا، لما قدّمنا ذكره في أثناء الكلام؛ إذ قلنا: الوالي في حكم النائب عن رب المال، وإلا فهو الأصل في التزام الزكاة، والمخاطب بها، فإن رأينا وجوبَ التسليم إلى النائب لمصلحة، فلا تخلو القاعدة عن حقيقتها، حتى يقضى فيها بمجرد النكول، من غير حجة تقوم.
١٨٤٥ - ومن الأئمة من فصّل القول، وقال: إن كان ربّ المال متصوّراً بصورة مدعىً عليه، فلا يقضى بنكوله، مثل أن يقول: لم يحل الحول على هذا المال، أو ليس المال لي، وإنما هو وديعة عندي، فإذا حُلّف، ونكل عن اليمين، لم يقض عليه بنكوله؛ طرداً للقياس في منع القضاء بالنكول.
وإن تُصوِّر رب المال بصورة المدعي مثل أن يقول قد أديت الزكاة إلى ساعٍ آخر، أو بعتُ المالَ بيعاً يقطع الحول، فإذا حُلِّف ونكل عن اليمين، يُقضى عليه بنكوله؛ فأنه لو حلف، لكان على صورة مدعٍ مثبت، فإذا احتمل ذلك في تحليفه، فليجر في نكوله على قياس نكول المدعي، ولو نكل المدعي عن اليمين المردودة عليه، لقضي بنكوله. على ما سيأتي تفصيله مشروحاً في الدعاوى والبينات، إن شاء الله عز وجل.
١٨٤٦ - وهذا -مع أنه أعدل الوجوه- فيه شيء؛ فإن المودع إذا ادّعى رَدَّ
(١) في الأصل و (ط) و (ك): حصول.