وأبو حنيفة قال: إن غلبت النُّقرة، وجبت الزكاة (١)، وهذا زلل بيّن؛ فإن الزكاة أوجبها الشرع في خمس أواقٍ من الورق، والنحاس ليس من الورق.
ولو كان معه مائتا درهم نُقرة، ولكن كان بعض ما معه جيداً، وبعضه رديئاً - ونعني بالجودة أن يكون ما نَصِفه بكونه جيداً ليناً تحت المطارق، والرديء فيه تشتتٌ (٢) وتفتت لآفةٍ معدنية، أو سبب آخر، والنقرتان جميعاً خالصتان لا يشوبهما غش.
فينبغي (٣) أن يُخرج من كل نوع حصةً، على القياس الذي مهدناه فيه، إذا كان معه تمرٌ رديء، وتمرٌ جيد، وهذا لائح. فإن أخرج الواجب من النوع الجيد، فقد أحسن، وإن أدّى من كل نوع حصةً، فقد أتى بالواجب.
وإن أخرج الجميع من الرديء، فقد قال الصيدلاني: إن أخرج الكل من الرديء، جاز مع كراهيةٍ؛ لأن كل واحدٍ فضةٌ خالصة، وهذا عندي خطأ صريح، إذا تحقق التفاوت في القيمة. ولو جاز هذا، لقلنا: من ملك أنواعاً من الإبل، فأخرج الفريضة من أردئها، جاز.
ثم قال الشافعي: "وأكره الورِق المغشوش". هذا لا تعلق له بالزكاة.
٢٠٦٦ - فنقول: الدراهم المغشوشة إن كان مقدار نُقرتها معلوماً، وكان العيار مضبوطاً، فالمعاملة بها جائزة، إشارة إليها وتعييناً، والتزاماً في الذمة. وإن كان مقدار النقرة مجهولاً، ولكن كانت الدراهم رائجةً، فقد اختلف أئمتنا في جواز التصرف بها: فمنهم من منعه، وصار إلى أن المقصود المطلوب مجهول، والجهالة مانعة من التصرف، وليس ذلك بمثابة الإشارة إلى الدراهم (٤ الخالصة؛ فإن إحاطة النظر بالمشار إليه إعلامٌ، ولا يُحصي اللَّحظُ ما في الدراهم ٤) المغشوشة من النُّقرة.
(١) ر. حاشية ابن عابدين: ٢/ ٣١.
(٢) "ليس المراد من الجيد والرديء الخالص والمغشوش، وإنما الكلام في محض النقرة. وجودته ترجع إلى النعومة، والصبر على الضرب، ونحوهما، والرداءة إلى الخشونة، والتفتت عند الضرب". ا. هـ بنصه عن الرافعي في فتح العزيز بهامش المجموع: ٦/ ١٠.
(٣) قوله: فينبغي ... إلخ مرتبط بما سبق من قوله: ولكن كان بعض ما معه جيداً، وبعضه رديئاً.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (ت ٢).