الأئمة؛ فإنه وإن كان كافياً من حيث ينطلق عليه الاسم، ويحقق الشرط، إلا أنه لا يحقق المعنى المطلوب، ومقصدَ الشرع من الخطبة.
ومع مخالفته للأصحاب يأخذ في الاستدلال لرأيه بما يجعله هو المذهب، فيقول: " وقد بالغ الشافعي في الاتباع حتى أوجب الجلوس بين الخطبتين ... ؛ فليس يليق بمذهبه أن يعدّ قول الخطيب: "الحمد لله والصلاة على محمد أطيعوا الله" خطبة تامة فهو يحاول أن يجعل قوله هو المذهب مستدلاًّ بأن مذهب الشافعي وجوب الجلوس بين الخطبتين، ولا دليل على ذلك إلا الاتباع، والاتباع أيضاً يقتضي أن مثل هذا لا يصح أن يعد خطبة تامة، فلم يُؤثر قط الاكتفاء بمثل هذا في الخطبة.
ثم يسوق دليلاً آخر، فيقول: " ثم إن الشافعي ذكر لفظ (الوعظ) في (الإملاء)، وفيه إشعار بما ذكرته ". اهـ
ومعنى هذا أن لفظ (الوعظ) يُشعر بأنه يجب أن تشتمل الخطبة على ما يكفي للزجر، والترغيب والترهيب، ويحرك القلوب، ويهز النفوس.
ثم لا ينسى أن يذكر أن خلافه خاص بركن (الوصية بالتقوى) دون غيره من الأركان، فيقول: " أما الاقتصار على كلمة في الحمد، والصلاة، مع أداء معناهما، فلا شك في كفايته؛ فإنما قولي هذا في الوعظ ". اهـ
ويستأنس لقوله هذا بقول أبي القاسم الفوراني: " إن مقصود الخطبة الوعظُ " فيقول: " وهذا الآن يشير إلى ما ذكره (بعض المصنفين) (١) من أن مقصود الخطبة الوعظُ، والحمد والصلاة ذريعتان ".
ثم ينظر إلى ركن آخر من أركان الخطبة، وهو قراءة القرآن، وينقل كلام الأئمة في أنه لا بد من قراءة آية تامة؛ حتى ينطبق عليه اسم القرآن. ولكنه لا يكتفي بهذا.
(١) دائماً يكني عن (الفوراني) بقوله: (بعض المصنفين)، وأبداً لم يصرح باسمه على طول هذا الكتاب، وهو كثير الحطّ على الفوراني -على حد تعبير السبكي- ولكنه مع ذلك لا يتردّد أن يذكر له صواب رأيه، إذا وجده، وإن أصرّ على عدم التصريح باسمه، كما هو في هذا الموضع.