له: لا أثر لهذا، والتفريع على قول الانفساخ، وهو حكم نافذٌ لا يستدركُ بعد نفوذِه بتقدير بذل، وهذا لا خفاء به. وإن قلنا: البيع لا ينفسخ، فلا شك في ثبوت حق الخيار؛ فإن تعذر التَّسليم بإباق العبد المبيع وغيرِه يثبتُ الخيارَ للمشتري.
فلو قال البائع: أسمح بحقي، فلا تفسخ، فقد قال الأصحاب: على المشتري أن يقبل ذلك، ويمتنع عليه الفسخ، وشبّهوا هذا بمسألة النعل (١) وسنذكرُها في باب الخراج. وتلك المسألةُ ليست خالية عن الخلافِ، وهذه التي نحن فيها أولى بالخلافِ من تلك؛ فإنَّ إلزامَ المشتري تطوُّقَ مِنّةِ البائع فيهِ بُعدٌ، وفي هبة المجهول غوائلُ، وستأتي مسألةٌ في كتاب الصيود يَحارُ فيها نظرُ الفقيهِ، وهي إذا اختلَطت حمامةٌ بحمام برج، فكيف الخلاصُ منها إذا عسُر التمييز؟ فالمسألة الآن مختلَفٌ فيها. فإن أجبرنا المشتري سقط خيارُه، وإن لم نجبره، فهو على تخيره.
وذكر صاحب التقريب قولاً ثالثاً في المسألةِ، وهو: أن العقدَ لا ينفسخ، ولا خيارَ ونجعلُ الاختلاطَ قبلَ القبض، بمثابة الاختلاط بعده. وإذا فُرِض اختلاطُ مِلكَين مع الجهالة في المقدار، فالأمر موقوفٌ إلى البيان إن أمكن، أو المفاصَلة بمُصالحةٍ، أو مخاصمةٍ، تفصل بطريقها.
وهذا قولٌ بعيد؛ فإنّ تعذُّرَ التسليم في القدر المبيع ثابت، ولو لم يطرأ إلا تغيُّر المبيع أوّلاً، وخرُوجه عن التعيّن آخراً، لكان ذلك كافياً في إثبات الخيار.
٣٠٠٤ - وكل ما ذكرنا إذا جرى التلاحق والاختلاط قبل التخلية، فأما إذا خلّى البائعُ بين الثمارِ وبين المشتري، فجرى الاختلاطُ، فهذا يُبنَى على أن الثمار لو تلفت بعد التخلية بجوائحَ، فهي من ضمان البائع، أو من ضمانِ المشتري؟ وفيه اختلافُ قولي سيأتي في بيع الثمار، فإن قلنا: هي من ضمان البائع، فالاختلاط بعد التخلية لا يُوجب انفساخاً، ولا يثبت خياراً، ويكون ما جرى بمثابة ما لو اشترى رجل حنطةً
(١) مسألة النعل هي أن يُنْعل الحصان الذي اشتراه مثلاً، ثم يطلع على عيب قديمٍ فيه، فإذا أراد ردّه، فكيف التصرف في النعل؟ إذا كان خلعه سيُعقِب عيباً يمنع الرد. وستأتي في فصل قريب معقود في موضوع من اشترى أرضاً، ووجد فيها حجارة مودَعة بها.