المواضع تقديمَ مؤخرٍ، وتأخير مقدمٍ؛ حتى يلقَى الناظرُ المقاصدَ مجموعة، سهُلَ احتمال هذا".
وفي كتاب البيوع أيضاً، يعلن مرة ثانية أنه سيخرج على ترتيب المختصر، فيقول عند الكلام عن العيوب في المبيع: " وقد رأينا أن نأتي في هذا الباب بفصول العيب متوالية، ولا نلتزم ترتيب (السواد) ".
ثم يشتد به الضيق، ويزداد التبرّم، فيعلن أن ترتيب المختصر لا يُقبل، وأنه لن يلتزمه، وذلك قوله في آخر باب صوم التمتع بالعمرة إلى الحج: " ثم ذكر المزني في آخر الباب طرفاً من الكلام في طواف الوداع، فلم أر ذكره؛ فإن ذكر طواف الوداع قبل بيان أركان الحج بعيدٌ عن الترتيب المطلوب " انتهى بنصه.
بل تندُّ منه لفظةٌ مُعْرِبةٌ عن بالغ نقده حينما يقول:
" لم يرعَ المزني ترتيب مسائل الحج كما ينبغي، بل أتى بها إتياناً يُشعر بقصد التشويش، ولكنا التزمنا الجريان على ترتيب المختصر ". انظر " يُشعر بقصد التشويش "!
* وأحياناً يعتذر عن التشويش وعدم الترتيب، والإتيان بالمسائل في غير موضعها، وكأنه يعلن أنه لم يفعل ذلك عن غفلة، ولكنه الالتزام بترتيب (المختصر)، ففي كتاب الغصب عند الكلام عن ضمان المغصوب، والقيمة المعتبرة في هذا الباب - قال بعد انتهاء الباب: " ثم ذكر الشافعي جملاً تتعلّق بقضايا الضمان في تصرفات صاحب اليد المضمنة (١)، وتلك الأحكام تأتي مفرّقة في محالّها، ولكنا نتبع ترتيب (المختصر)؛ فنذكر منها ما يليق بشرح السواد ".
* ومن هذا الباب ما جاء في كلامه عن أحكام العبد المأذون له في التجارة، فقد قال: " وفي المأذون وتصرفاته، وتصرفات المولى فيما في يده أحكام سيأتي ذكرها في كتاب النكاح -إن شاء الله تعالى- ولو جمعنا أحكام المأذون، لطال الباب، ولسنا نلتزم مثل هذا؛ فإنه يُحْوِج إلى الخروج عن التزام ترتيب (السواد) ". اهـ
(١) أي ذكرها في المختصر.