فها هو ينبه إلى أن بعض أحكام المأذون ستأتي في كتاب النكاح، وأن حقها أن تكون هنا، وأن يجمع كل أحكام المأذن في نسق واحد، ولكنه لا يفعل؛ لأن هذا سيُحْوِجه إلى الخروج عن ترتيب (السواد)، وقد ألزم نفسه به.
هذه نماذج من عبارات الإمام تكفي لبيان أثر التزامه ترتيب المختصر، وأن تيمُّنه بهذا الترتيب هو الذي حال بينه وبين ما عهدناه في كتبه الأخرى من إحكامٍ وضبطٍ في الترتيب والتبويب والتفصيل، وأنه كان أمام ترتيب المختصر، بين مخالفة يسيرة محتملة، وبين اتباعٍ والتزام على غير رضاً، ينبه على سببه، ويبين ما كان ينبغي أن يكون، والمواضع التي عبر فيها الإمام عن ذلك لا تقع تحت خصر، وما ذكرناه مجرد أمثلة ونماذج.
الترتيب بين النهاية والبسيط:
كتاب (البسيط) للإمام الغزالي حجة الإسلام، مبنيٌّ على كتاب شيخه (النهاية) ولكن الغزالي استطاع أن يأتي بترتيب بديع، بلغ الغاية في الضبط والإحكام؛ حيث أخذ فقه إمام الحرمين، ولكنه لم يلتزم ترتيبه، بل اتبع ترتيباً عجيباً لم يسبق إليه، يقوم على منطق واضح القسمات، بيِّن الملامح، فهو -فيما نعلم- أول من قسم الفقه إلى أرباع، ونص على ذلك صراحة: ربع العبادات، وربع المعاملات، وربع المناكحات، وربع الجراح.
ثم يبدأ كلّ كتابٍ بتمهيد، ثم يبين في سطورٍ معدودات، أقسام الكتاب، وأبوابه، وموضوع كل منها، ولنعرض ما جاء في أول كتاب الحج نموذجاً لهذا الترتيب:
افتتح كتاب الحج بذكر أدلة الحج، ثم قال: " هذا تمهيد الباب، ومقاصده يحصرها ثلاثة أقسام:
الأول - في المقدمات والسوابق، وهي شرائط صحة الحج ووجوبه، ومواقيت الحج.
الثاني - في المقاصد، وهي ما يجب فعله وتركه في الحج، وكيفية وجوه أدائه.