الفقه، ومصطلحاته تحتاج إلى الدقة والصرامة، ومع أن لغة العلم تتجرد من العاطفة والمجاز، مع كل هذا، والتزام الإمام به، إلا أنك تلمح سمات الجمال والطلاوة في أسلوبه، تقرأ كتابه فتجد ذلك واضحاً ملموساً، لا يحتاج إلى استدلال، ولكنا نضع أمامك شيئاًً مما رأيناه يستلفت النظر، وسنلتزم الإيجاز، فنقتصر على أقل ما يكفي للاستشهاد من الكلمات:
* فمن ذلك قوله: " ومن الأصول الخفية أن مَحَطَّ القياس قد يضيق، فيدق النظر، وهو يمشي مشي المقيد، ثم قد يقف، ويضطر الفقيه إلى حكمٍ، فيصرفه إلى أقرب الوجوه إليه ".
تأمل التعبير، وانظر إلى الصورة المتحركة " مَشْي المقيد ".
* وفي كتاب العتق - باب جناية المكاتب على سيده، وهو يتكلم عن إنشاء المريض الكتابةَ، ووصيته بها، يقول:
" وقد أتيت على هذه الأبواب فقهاً وحساباً، في كتاب الوصايا، ولم أغادر فيها مزيداً لمتنفس، ومهدت الأصول، ونظمت المسائل، وعند الصباح يَحْمَد القوم السُّرى ".
تأمل الصورة الأدبية: " ولم أغادر فيها مزيداً لمتنفَّس "، وانظر الإيقاعَ في قوله: " ومهدت الأصول، ونظمت المسائل " مما يسميه علماء البلاغة: " الازدواج " أو حسن التقسيم.
أما ختام العبارة بالمثل السائر: " عند الصباح يحمد القوم السُّرَى " فلا يحتاج إلى أن أنبه إليه.
* وفي موضع آخر، يقول:
وههنا وقفة طال فيها نظرنا، فليأخذ الناظرُ المقصودَ عفواً صفواً، " فرب ساعٍ لقاعد ".
ولست بحاجة إلى التنبيه إلى ما في العبارة، من طرافةٍ وطلاوة، وما تحمله من روع تكاد تقرب من الفكاهة.
* وربما تكون روح الفكاهة والدعابة أوضح في العبارة التي قالها عن القاضي حسين، فعندما ناقش مسألة من مسائل الجنايات، وهي إذا قتل أخوان أبويهما: أحدهما قتل