الأب، والآخر قتل الأم، وأيهما يقدم للقصاص؟ هل بالسبق أم بالقرعة؟ قال معقباً على ذلك -بعد أن استوفى المسألة بحثاً وتمحيصاً-: " ولقد رأيت في مرامز كلام الأصحاب ما يدل على القرعة، والقاضي لم يذكرها، واقتصر على أن قال: لو ابتدر أحدهما، وقتل صاحبه، كان كذا وكذا. وهذا فرار من الزحف ".
انظر روعة تشبيه التمثيل لإغفال القاضي قولاً من الأقوال في المسألة.
* وفي كتاب الفرائض، عند الكلام عن كيفية توريث من يدلي من ذوي الأرحام بقرابتين، ذكر قولَ الأستاذ أبي منصور وما يراه في المسألة، ثم قال: " وقد أورد القاضي أبو محمد في كتابه: أن أبا يوسف لا يورث بقرابتين، ونحن نقول: الرجوع إلى ما نقله الاستاذ أبو منصور أولى؛ فإنه إمام الصناعة مطلقاً، " وكل الصيد في جوف الفَرَا " (١).
* وقال في (باب في أقسام الضرب) من كتاب الفرائض، وهو يصف طريقة تعلم الحساب، قال: " ولْيعلم الطالب أن الشرط الأول على من يبغي المهارة أن يحفظ الآحاد، بحيث لا يحتاج إلى التفكر فيها، وهي طريحة ساعده " (٢).
وقال في كتاب القَسْم والنشوز فيما لو أراد الزوج أن يزيد النوبة على الثلاث "ففي المسألة وجهان: أحدهما - أنه لا يجوز، إذ لا موقف بعد المجاوزة ... فربما نجعل النوبة ستة أو أكثر منها، وهذا يؤدي إلى مهاجرة في حق اللواتي تتأخر نوبُهن، ثم يترتب عليها انتساج وحشةٍ بين الزوج وبين المتخلفات، وإلى تأكد ألفةٍ تنتهي إلى المِقَة، فيحصل من السرف في الازدياد مقتتٌ ومِقَة" ولا يخفى على الفطن ما في الكلام من محسنات البديع.
* وتقرأ في الجزء ١٥ ص ٤٧١، ٤٧٢ قوله: " وهذا موقف لا يجوز للفقيه الاكتفاء فيه بالاتباع، ولا يسوغ أن يخطوَ الخطو الوِساع ".
والحق أن التمثيل والاستشهاد على أن " لعباراته في الفقه نزعاتٌ أدبية، ونزغات عربية " أمرٌ يحِّير من يحاوله: أيّ العبارات يأخذ وأيها يدع، فالكتاب بين يديك، لا تجد فقرة فيه، إلا وهي صالحة للتمثيل والاستشهاد.
فنكتفي بما حاولناه، ونأخذ في بابةٍ أخرى من أسلوب ولغة الإمام.
(١) انظر ج ٩/ ٢٤٩.
(٢) انظر ج ٩/ ٢٦٥.