ومحله، فلابد من التعرض للبيان. وهذا بمثابة الشهادة القائمة على جروحِ (١) الشهود الذين ظاهرهم العدالة، فإنا لا نقبلها مُطلقة؛ لمكان اختلاف العلماء فيما يُوجب الجرح، وينفي العدالة؛ فقد يرى الشاهد الجرحَ بما لا يراه القاضي. وكذلك المذاهبُ تختلف فيما يقع الإكراه به، وهو على الجملة مُشكل الضّبط في محل الوفاق، لا يستقل بتقريب القول منه إلا الغواصون.
٤٤٥٣ - فإن قيل: قبلتم الإقرار المطلق من الشاهد، ولم تقبلوا الشهادة المطلقة على الإكراه، فإذا شرطتم تفصيل الإكراه، فاشترطوا تفصيل الإقرار. قلنا: لنا متمسكٌ لا بأس به لمن يشترط تفصيل الإقرارِ، ثم الفرق أن الإقرار لا يذكره الشاهد إلا لتقوم به الحجة، والإكراه لفظٌ ملتبس، والفرقُ ليس باليسير.
وقد قال كثير من أصحابِ أبي حنيفة: الشهادة على الإكراهِ المطلق مقبولة.
وهكذا مذهبهم في الجرح أيضاً.
ولو لم يُقِم المشهودُ عليه بينةً على الإكراهِ، ولكن أقام بينة على أمارتهِ، استفاد بثبوتها ظهورَ صدقه، حتى يكتفى بيمينه.
ولو قال المشهود عليه: كنت صبياً إذ لفظتُ بالإقرارِ، والشهادة على الإقرار مُطلقة. وما قال محتملٌ، فقوله مقبول مع يمينه، كما لو ادعى الجنون، وقد عهد منه، كما سبق.
ولو أقام المشهودُ عليه بينة على الإكراه المفصَّلِ الموجبِ لرد الشهادة، وقد تقيدت الشهادة على الإقرار بكونه طائعاً، فقد ذهب أصحاب أبي حنيفة (٢) إلى تقديم البينة في الإكراه.
وكان شيخنا أبو محمد يحكي في ذلك خلافاًً على وجهٍ سنصفه، فنقول: الظاهر تقديمُ البينة في الإكراه؛ لأنها تستند إلى علمٍ في الخفايا، ورب مهدَّدٍ متوعد في السر يبدي الطوعَ في تصرفه، وتستند شهادة الشاهد على الطواعية إلى ظاهر حاله، والمطلِعُ على سر الأخبار يعلم ما لم يُحط به الشاهد على الاختيار. وهذا ظاهر.
(١) في الأصل: خروج.
(٢) ر. اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى: ٤٤.