ومن أصحابنا من قال: تُعارض بينةُ الإكراه بينةَ الطواعية، و تخرِم (١) شهادةُ الإكراه شهادةَ الطواعية، فيبقى الطوعُ مشكلاً. وإذا ارتبنا في اختلال (٢) شرطٍ، لم نقض بالشهادة. ولو جهل راجعان (٣) إلى حاصلٍ واحد.
ولو قُيد الرَّجلُ، وحبس، وضيق عليه، وحمل في ظاهر الحال على الإقرار، وقال من حسبناه (٤) مُكرهاً: لقد أقررتُ كاذباً، ولكن كنتُ أعلم لو لم أقر، لكانُوا يُطلقونني على القرب، فقد قال صاحب التقريب في هذه الصورة: لا يثبت الإقرار؛ فإن الإجبار قائم ظاهر، واعتقاد المقيَّد المحبوس أَنَّ الحبس والتضييق كان يزول، ولا يدوم ظنٌّ منه وحِسبانٌ (٥)، لا تعويل عليه. هذا كلامه. وقد قطع الجواب به.
وفيه احتمال ظاهر؛ فإنه أقر بأنه لم يكن مكرهاً، وقوله مقبول عليه، وهو مؤاخذ فيه.
فروع:
٤٤٥٤ - إذا ادّعى الإنسان البلوغ، نظر: فإن ادعى أنه بلغ بالسن، لم يُقبل قوله؛ لأنا يمكننا أن نعرفَ بلوغَه بالسن من جهة غيره. وإن ادعى البلوغَ بالاحتلام في سن احتمال البلوغ، بأن كان ابنَ عشرٍ، أو ادعت الصبيةُ البلوغَ بالحيض، وهي ابنة تسع، فقولهما مقبول؛ فإنه لا يمكن معرفة ذلك إلا من جهتهما.
ثم قال الأصحاب: إن جرت الدعوى في خصومة، وحكمنا بقبول القول، فلا تحليف في زمان الإمكان، فإنا إن صدقنا من يدّعي هذا، فلا معنى للتحليف، مع التصديق. فإن قدّرنا تكذيباً، فمعناه اعتقاد الصبا، ولا سبيل إلى تحليف من يعتقد الصبا فيه. وهذه المسألة تكادُ تلتحق بالدوائر الفقهية، فإن في تحليفه تقديرُ الصبا.
وهذا التقديرُ يُحيل التحليفَ.
وفي هذا للنظر بقية من وجهين اثنين: أحدهما: أنه لو كان الشخص الذي فيه الكلام غريباً فينا، خاملَ الذكر، ولم نعرف لولادته تاريخاً حتى يتعرف منه أمرُ السّن،
(١) في الأصل: وتحرم.
(٢) في الأصل: "خلال".
(٣) في العبارة خلل. ولكن السياق مفهوم على الجملة.
(٤) غير مقروءة في الأصل.
(٥) الحسبان بالكسر: الظن والتوقع، وبالضم: العدُّ، والتدبير الدقيق (معجم).