ومن أصحابنا من قال: ما حكاه المزني قولٌ، وفي المسألة قول آخر، فيحصل قولان في أن القول قول من؟ وهذا بعيد عن القياس.
ومن أصحابنا من قطع القول بما نقله المزني، واتبع نقله ووثق به، ثم لم يعتصم إلا بمسلكٍ مائل عن القياس، وهو أنه قال: الأصل نفيُ العدوان، والظنُّ بكل منتفع انتفاءُ اعتدائه. وكأن هذا القائل يقول: لا نحمل يد صاحب اليد على الغصب والعدوان، وقد أمرنا بتحسين الظن به، فعلى من ادّعى العدوان إثباتُه.
وهذا لا وقع له عند المحصلين وإن اضطر الأصحابُ إلى ذكره. هذا كله، والعين قائمة.
٤٥١٩ - فإن تلفت العين، انقسم الأمر، فلا يخلو: إما أن يقع التلف متصلاً، أو بعد مضي مدّةٍ، فإن اتصل التلف، ثم تنازعا، فللمالك القيمة، ولا أثر للخلاف؛ فإن العارية مضمونةٌ، والغصب مضمون، ولا يتصوَّر فرض تفاوت مع الاتصال.
ولا يخرج في هذه الصورة الخلاف المشهور للأصحاب باختلاف الجهة، حتى يقال: إحدى الجهتين غصبٌ والأخرى عارية، فإن العين متحدة، فلا وقع للاختلاف.
وإن وقع التلف بعد مضي مدة، فالمالك يدعي أجرة مثل المنفعةِ في ذلك الزمان، والقيمةَ، والمنتفع مقر بالقيمة، منكر للأجرة، فالكلام في الأجرة في هذه الصورة كالكلام فيها إذا كانت العين قائمةً، وقد ذكرنا نقل المزني واختلافَ الأصحاب وراء نقله. وما قدمناه يعود، يعني الطرق الثلاث. أما القيمة إن (١) قلنا: تضمن العارية ضمان الغصوب، فقد وقع الوفاق في قدر القيمةِ، فيستحقها المالك. وإن قلنا: العارية مضمونة بقيمتها يوم التلف، وكان قيمة يوم التلف أكثر، فتجب القيمة ولا أثر للنزاع والاختلاف.
وإن كان قيمة يوم التلف أقل، فلا نقل في هذه الصورة. والذي يقتضيه القياس أن القول قول المالك، لأنه جاحد لأصل الإذن، وقياس نقل المزني أن ننفي العدوان ونجعل القول في نفيها قول صاحب اليد. ثم ينتظم من ذلك الطرق التي قدمناها.
هذا نجاز القول ومنتهاه في اختلاف المالك والمنتفع.
(١) نذكر بالتزام إمام الحرمين حذف الفاء في جواب (أما) (تقريباً) وهو مذهب الكوفيين.