ففي المسألة قولان: أحدهما - يجوز ذلك، فإن الضرورة على الجملة قد تُحْوج إليه، والضرورات تغيّر قياس العقود، ثم إذا تمهّد أصلٌ لإمكانِ حاجةٍ، لم يتوقف نفوذُه على تحقق (١) الحاجة في كل صورة. وعلى هذا الأصل جرت الإجارة جملةً وتفصيلاً، والحاجة ظاهرة في الإذن للمكتري؛ فإن الغالب أن الحاكم لا يجد مالاً للهارب، ولا يثق بالرجوع عليه لو استقرض.
والقول الثاني - أن ذلك غيرُ جائز، فإن المكتري لو تعاطى، كان قائماً بتأدية حق نفسه، واستيفائه، وهذا لا سبيل إليه.
فإن قلنا: يجوز للحاكم تفويض الأمر إليه، فلو أنفق، واقتصد، ووجد الجمّال، رجع عليه.
ولو نازعه في المقدار، فقد ذكر صاحب التقريب وجهين: أحدهما - أن القول قولُ المكري؛ فإن الأصل براءة ذمته، عن المقدار الذي يدّعيه المكتري.
والوجه الثاني (٢) - أن القول قول المكتري؛ فإنه إذا كان مأذوناً من جهة الحاكم، فهو مؤتمنٌ من وجهٍ، وإن كان راجعاًً بنفسه لنفسه، فيجب أن يُصدَّق مع يمينه.
والمعنى الذي جوّز تفويضَ الأمر إليه، لا يبعد على مقتضاه تصديقُه في (٣) القدر الممكن المقتصد مع يمينه.
٥٢٤٨ - ولو استبدّ المكتري، فأنفق بنفسه، مع إمكان مراجعة الحاكم، لم يجد مرجعاً.
وإن لم يجد حاكماً، وأنفق، ففي المسألة الأوجهُ الثلاثة، التي ذكرناها في كتاب المساقاة: أحدها - أنه يرجع للحاجة الماسة.
والثاني - لا يرجع.
والثالث - أنه إن أشهد، رجع. وإن لم يُشهد، لم يرجع.
(١) في الأصل: تحقيق.
(٢) (د ١): والقول الثاني.
(٣) في الأصل: على.