وهذا إنما يتجه لو لم يصح الخبر الذي ذكرناه.
٦٠٠٥ - فإن قيل: لم تذكروا ضبطاً يُتمسك به في الفصل بين الحقير والخطير؟ قلنا: ذكر أولاً بعض المصنفين في ذلك ثلاثة أوجه: أحدها - أن الحقير ما دون نصاب السرقة؛ فإن ما دون ذلك تافه، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: " كانت الأيدي لا تقطع في المال التافه، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " (١) هذا وجه.
والوجه الثاني - أن التافه ما دون الدرهم؛ فإن ما ينقص عنه مما يستوي طبقات الخلق في الحكم بتحقيره، والدرهم التام قد لا يكون كذلك، ثم لا ضبط للهمم، فقد يستحقر الرجل المعظمُ المالَ العظيمَ في حق غيره.
والوجه الثالث - أن الدينار، فما دونه حقير، وقد روى من ذكر هذه الأوجه: أن علياً رضي الله عنه وجد ديناراً، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن يستنفقه، ولم يأمره بتعريفه (٢). وهذا لم أره في غير هذا التصنيف، وفيه إشكال وهو إسقاط أصل التعريف، ولم يصر أحد من أصحابنا إلى إسقاط أصل التعريف، وإن قل مقدارُ الملتقَط.
وقد يتجه خروج ذلك إن صح الأثر على الاكتفاء بالتعريف مرة واحدة.
فإن قيل: لم يجر التعريف مرة واحدة؟ قلنا: ليس للتعريف لفظٌ يجب اتباعه، وإنما الغرض شهر الأمر وإظهار القصة، وهذا يحصل بمراجعة عليّ رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الواقعة على رؤوس الأشهاد، وحكمه صلى الله عليه وسلم فيها.
وكان شيخي أبو محمد لا يضبط اليسير بمقدارٍ ويأبى أن يحتكم في التقدير من غير توقيف، ويقول: الرجوع في ذلك إلى ما يغلب على الظن أن مثله لا يطول من طبقات
(١) أثر عائشهَ رضي الله عنها رواه ابن أبي شيبة: ٩/ ٤٧٦، ح ٨١٦٣. وانظر التلخيص: ٢/ ١٦٢ ح ١٣٧٢.
(٢) حديث علي رواه الشافعي في الأم ٤/ ٦٧، وأبو داود: كتاب اللقطة، باب التعريف باللقطة، ح ١٧١٤، ١٧١٥، وعبد الرزاق ١٠/ ١٤٢، ١٤٣، ح ١٨٦٣٧، والبيهقي: ٦/ ١٩٤.
وانظر التلخيص: ٣/ ١٦٣ ح ١٣٧٣.