فإن قلنا: المقدَّم حقُّ الله تعالى، اتجه عليه تقديمُ الحج على الوصية للآدميين، وإن لم نَرَ ذلك، فقد نقدم حقَّ الآدمي في قول وقد نُسوِّي.
فأما الوصية بالحج والوصية بالصدقة إذا اجتمعا، فلا وجه لتقديم الوصية بالحج.
وكل ما ذكرناه في حكم المقدِّمة لمقصود الفصل.
٧٤٤٣ - ونحن الآن نعود إلى غرض الفصل ونقول:
قد بينا أن حجة الإسلام إذا قرّت في الذمة، فهي دين، فلو كان أوصى الرجل بوصايا، ثم قال: أحِجوا عني حجةَ الإسلام من ثلثي، فقوله هذا محمول على مزاحمة الحج للوصايا، حتى إذا زاحمها، وقلت الوصايا بمزاحمته (١) إياها، فإن تحصّل ما يتأدى الحج به من المضاربة، فهو المراد، وإن لم يتحصل من مزاحمة الوصايا ما يتم به الحج، أكملناه من رأس المال.
هذا إذا صرح الوصي بالإحجاج عنه من ثُلثه، وكان عليه حجةُ الإسلام، وقد استكمل الاستطاعة في حياته.
ولو قال: أوصيت إليكم أن تُحجوا عني إنساناً، ولم يتعرض للثلث ولاعتبار الحج منه، ولكنه ذكر لفظ الوصية، فقد اختلف أصحابنا في ذلك على ما حكاه العراقيون، فذهب بعضهم إلى أن هذا ينزل (٢) منزلة تصريحه بالإحجاج عنه من ثلثه، حتى يقتضي مزاحمةَ الوصايا؛ فإن الوصية لفظةٌ مشهورةٌ فيما يحسب من الثلث، فجرى مجرى التصريح بالحَسْب (٣) من الثلث.
وذهب آخرون إلى أن الحج لا يزاحم الوصايا إذا لم ينصّ الموصي على اعتباره من الثلث؛ فإن الإيصاء بمثابة الأمر، ولو قال: أحجوا عني إنساناً، لم يتضمن مجردُ
(١) في الأصل: المزاحمة.
(٢) في الأصل: نزلت.
(٣) (س): في الاحتساب.