الأولى، ثم لم ينفض حتى ركب ذلك الغبار غبارٌ في الضربة الثانية، فلا يصح التيمّم؛ فإن الغبار الأول يمنع الغبارَ الثاني، ولا يمكن الاكتفاء بذلك الغبار؛ فإنه في حكم غبار حصل على المحلّ، ثم رُدّد عليه من غير فرض نقل إليه، في أوان فرض النقل.
وهذا لم يذكره الصيدلاني وغيره من أصحاب القفال.
وهو عندي غلوٌّ ومجاوزة حدٍ، وليس بالمرضي اتباع شَعْب (١) الفكر، ودقائق النظر في الرخص، وقد تحقق من فعل الشارع ما يشعر بالتسامح فيه؛ ولم يوجب أحد من أئمتنا على الذي يَهُم بالتيمم أن ينفض الغبار عن وجهه ويديه أولاً، ثم يبتدئ بنقل التراب إليها، مع العلم أن المسافر في تقلباته لا يخلو عن غبار يرهَقه (٢)، فلنقتصر على أن تفريج الأصابع في الضربة الأولى ليس بشرط، وليس لاشتراطه معنىً.
٢١١ - وذكر الشيخُ وجهين في أن المتيمم إذا كان يُجري إحدى يديه على الأخرى، فرفع يده قبل استيعاب العضو، ثمَّ أراد أن يعيدها إلى موضعها لاستكمال الاستيعاب هل يجوز ذلك؟ وجهان: أحدهما - لا يجوز؛ لأن التراب الباقي على اليد يصير بالفصل (٣) مستعملاً، فإذا ردّ اليدَ كان ما ردّه مستعملاً.
والثاني - يجوز، وهو الأصح؛ فإن المستعمل هو الذي بقي على العضو الممسوح، والباقي على اليد في حكم التراب الذي يضرب عليه اليد مرتين. وهذا ظاهر.
والذي أثار هذا الخلاف أن الذي يفضل على (٤) اليد يُعلم أنه قد ينتثر مما اتصل بالعضو الممسوح شيءٌ، ويختلط بالباقي على اليد، فيكون قد اختلط المستعمَل بغير المستعمَل، والله أعلم.
(١) الشعْبُ: التفَرّق، من شعَب الشيءُ يشعَب شعْباً: تفرّق. (المعجم).
(٢) رهِقه يرهَقه: غشيه. (المعجم).
(٣) في (د ٣) و (ل): "بالفضل" بالضاد المعجمة.
(٤) زيادة من (ل).