أبي حيان: أنه كان يتعاظمهما، ويقول: كيف يرضى الإمام أن يخاطب (النظام) بهذا الخطاب؟! ثم يذم الدنيا التي تُحْوج مثل الإمام إلى مثل ذلك! " (١).
وما يدرينا لعل نيته في ذلك خير ينشده للدين أو للمسلمين، وإنما لكل امرىء ما نوى (٢)، أو لعلها لحظة ضعف مما يعتري البشر، استدركها الإمام على نفسه، وإنما استعظمت منه لأنه عظيم حقاً.
كما كنت أود ألا يغلو في نقده للمذهب الحنفي، إلى حد العنف الجارح، الذي لا يليق من أهل العلم بعضهم لبعض، كما بدا ذلك في كتابه (مغيث الخلق في اختيار الأحق). وقد أنكر بعضهم نسبة الكتاب إليه، ولعل أخي عبد العظيم منهم، وكم أتمنى أن يصح ذلك. ولكن وجدت في أواخر (البرهان) (٣) ما يؤيد بعض ما في الكتاب. كما أن المؤرخين من بعده نسبوا الكتاب إليه.
وقد وعد الدكتور الديب أن ينشر بحثاً موثقاً بالقرائن والأدلة: أن هذا الكتاب -أو بعضه على الأقل- مدسوس على إمام الحرمين. وإني لأرجو مخلصاً أن يوفق إلى ذلك.
وكذلك لم أكن أحب له أن يشتد في نقد إمام دار الهجرة مالك بن أنس، لأمور لم تثبت عنه، كالقول بقتل الثلث لإبقاء الثلثين، ونحو ذلك - وإن كان في بعض الأحيان قيدها بقوله: إذا صح ذلك عنه، وهذا هو الواجب، واللائق بمثله.
وأيضاً لم أكن أود من رجل كبير مثله أن يتحدث عن معاصره قاضي القضاة أبي الحسن الماوردي (ت ٤٥٠) بمثل تلك اللهجة الساخرة المهينة (٤)، التي قرأناها
(١) الطبقات: ٥/ ٢٠٩.
(٢) حقا لم يكن نظام الملك مجرد صاحب سلطان وصولجان، ولكنه كان من أهل الفقه والحديث، وهو الذي قضى على التمزق والطائفية، وأحيا السنة، وأنشا المدارس النظامية، وهو صانع النصر التاريخي في معركة (ملاذ كرد) التي أسر فيها امبراطور الروم.
وقد بلغ من مكانته ومنزلته أنهم قالوا: "يوم مات نظام الملك رئي مكتوباً في السماء: اليوم رفع العدل من الأرض".
وكم أتمنى أن يتحقق أملي في أن أكتب ترجمة وافية لنظام الملك. (عبد العظيم).
(٣) البرهان: فقرة (١٥٥٣) ص ١٣٦٤، ١٣٦٥ من الجزء الثاني.
(٤) انظر ما قاله عنه في (الغياثي) فقرات: (٢٠٩، ٢٣٢، ٢٣٣).