لا يدركها إلا من مارسها وعايشها، كما قال الشاعر:
لا يعرف الشوقَ إلا من يكابده ... ولا الصبابةَ إلا من يعانيها!
وقديماً قالوا: إن العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كُلَّك، وقد أعطى الرجلُ العلمَ كلَّ نفسه، وكلَّ جهده، وكلَّ وقته، وأعطاه العلم ما يستحق.
وأنا أعرف أن الدكتور الديب رجلٌ له قلم رشيق بليغ، كما تجلى ذلك في بعض ما كتب من مقالات ورسائلَ وكتبٍ.
ومع هذا لم يشغل (التأليفُ) وقته، كما شغله (التحقيق) فقد اختار الطريقَ الوعر، والمهمةَ الأصعب، وهو لها بتوفيق الله: بما لديه من مؤهلات عقلية وعلمية ونفسية؛ فقد حفظ القرآن من صغره في الكتّاب، وتكون في معاهد الأزهر، الابتدائية والثانوية، ثم في كلية (دار العلوم) بالجامعة، وكان فيها فحولٌ في علوم العربية والشريعة.
وملك مفاتيح العلم، وعاش يقرأ ويدرس ويناقش، ويتعلم من كبار الشيوخ، وأساتذة التحقيق، وقد اكتملت له الخصال أو المزايا الست، التي أوصى بها شيخُه الإمام الجويني طُلأبَ العلم، فيما أنشدوا له من شعر، حيث قال:
أصخ، لن تنال العلم إلا بستة ... سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء، وحرصٌ، وافتقار، وغربة ... وتلقينُ أستاذ، وطولُ زمان
وقد عكف الأخ عبد العظيم منذ دخل ميدان التحقيق على تراث إمام الحرمين، فهو مولع بالرجل منذ عرفه في دراسته عنه بالماجستير والدكتوراه بدار العلوم.
بل هو في الحقيقة (عاشق) لإمام الحرمين، كما تحس بذلك إذا تحدث عنه أو كتب عنه. والعاشق تهون عليه الصعاب، ويجد البعيد قريباً، والحَزْنَ سهلاً، في سبيل معشوقه.
ولقد بلغ من إعجاب الدكتور الديب بشيخه -بل من عشقه له- أنه لا يطيق أحداً ينكر عليه بعض هفواته، ولو كان من الشافعية أنفسهم، مثل ابن الصلاح، وابن حجر العسقلاني، وأمثالهما.