ومن أصحابنا من فرَّق بين أن يضل الماء في رحله، وبين أن يُضلّ رحلَه في الرحال، وقال: على من أضل الماء في رحله قضاء، ومن أضل رحله، لم يَقْضِ. وهذا أعدل الوجوه؛ والفرق أن من أضل الماء في رحله، ثم وجده، فالرحل أضبط للماء، من مخيم الرفقة لرحل واحدٍ، وأيضاًً فمن صلى في رحله، وقد أضل الماء فيه، فقد صلى على الماء، ومن صلى، وقد أضل رحله في الرحال، فقد صلى وليس على الماء.
ولو أضل الماء في رحله، أو أضل رحله في الرحال، ولم يطلب، أو لم يُمعن في الطلب، بحيث يحصل له غلبة الظن، يلزمه القضاء، قولاً واحداً.
ولو تيمّم، ثم رأى بالقرب منه بئراً فيها ماء، فإن كان قد عهد تلك البئر قديماً، ثم نسيها، فهو كما لو نسي في رحله ماء، وإن لم يكن عهد تلك البئر، فهو كما لو أُدرج ماءٌ في رحله، ولم يشعر.
وقد يكون للفقيه مزيّة نظرٍ فيه، إذا كان عَهِد البئر، وتقادم العهد، بحيث لا يكون الناسي في مثل ذلك الأمر منسوباً إلى الذهول.
فصل
٢٨٧ - إذا لم يكن مع المسافر ماء، وكان الماء يعرض على البيع، فإن لم يكن معه ما يشتريه به، أو كان، ولكنه مستغرَق بحاجة سفره في ذهابه وإيابه إلى وطنه، فهو كالمفقود، فيتيمم، وسبيل اعتبار الذهاب والرجوع إلى الوطن في ذلك كسبيله في بيان استطاعة الحج.
ولو وجد من يُقرضه، فإن كان يملك ما يفي بقضائه، لزمه القبول، فإن لم يكن في ملكه ما يفي بقضائه، لم يلزمه الاقتراض على توقع أن يجد ما يفي به.
ولو وهب منه ثمن الماء، لم يلزمه القبول إجماعاً؛ فإن المنّة تثقل فيه، ولو وهب منه الماء نفسه، يلزمه القبول؛ فإنه ممن (١) يهون تحمّله، وقد جرى العرف بالبذل والقبول فيه.
(١) كذا في النسخ كلها. وله وجه يطلب في كتب النحو.