ولو كان يحتاج إلى رشاءٍ أو دَلْو، فوهب منه، لم يلزمه قبوله. ولو أعير منه، لزمه قبول العارية.
وهل يلزمه استيهاب الماء، وطلب العارية في الدَّلو والرشاء؟ فعلى وجهين: أحدهما - يجب؛ لأنه هيّن (١) الطلب، والمنّة تخف.
والثاني - لا يجب؛ فإن التعرض للسؤال صعبٌ على ذوي المروءات، وإن هان قدر المسؤول.
ولو كان عليه دينٌ يستغرق ما في يده، فقد كان شيخي يقول: لا يجب شراء الماء؛ فإن من يعتبر في حقّه الاستطاعة في الحج، فنكلفه أن يحط قدر ديونه من ماله، ثم يرعى بعد ذلك الزاد والراحلة، وسائر الأُهب.
فإن قيل: إذا كان معه ما يزيد على أهبة السفر، ولا دين عليه، ولكن الماء كان يُباع بغبن، فهل يلزمه الشراء؟ قلنا: لا نكلفه بذلَ شيء، وإن قلّ بغبنٍ، بل يتيمم؛ وذلك أن ضياع المال نُزِّل منزلة الخوف على الروح، ولذلك يجوز الدفع عن المال، بما يجوز أن يُدفع به عن الروح.
٢٨٨ - ثم اختلف أصحابنا في ثمن مثل الماء، فقال الأكثرون: يُعتبر ثمن مثله في الزمان والمكان الذي مسّت الحاجة، وفي ثمن الماء في البوادي عند الإعواز تقريبٌ لا يكاد يخفى مُدركه، فإن زاد عليه صاحبُ الماء، كانت تلك الزيادة غبناً، فلا يعتبر ثمن الماء حالة الوجود والسلامة.
ومن أصحابنا من قال: الماء لا ثمن له، ولكن تعتبر فيه أجرة الناقل، وذلك يختلف بالبقاع، وطول المسافة وقصرها، وهؤلاء بنَوْا هذا الوجه على أن الماء لا يُملك. وهو وجهٌ سخيفٌ ضعيفٌ، نذكره في كتاب البيع. إن شاء الله تعالى.
وذكر بعضُ المصنفين وجهاً ثالثاً: وهو أن نعتبر ثمن المثل عند وجود الماء والسلامة، وهذا ليس بشيء، ولكن الذي يوجّه به هذا الوجه، أن غلوَّ ثمن الماء في البادية لا ضبط له، سيما إذا كثر العِطاشُ، وقد ينتهي الأمر إلى حالةٍ لا تغلو فيها
(١) في الأصل، (م): من.