٢٩٢ - ولو وَهَبَ الماءَ من إنسان من غير حاجة وعطشٍ، فهو كصب الماء، فإن كان قبل دخول الوقت، فهو كما مضى في الصب، وإن كان بعد دخول الوقت، فيحرم بذلُ الماء، فإذا بذلَ، ووهبَ، وسلَّم، فهل يملك المتهب؟ على وجهين: أقيسهما أنه يملك؛ فإن المالك نافذُ التصرّف في ملكه، وإن عصى بسببٍ لا اختصاص له بوضع التصرف.
وهذا الخلاف كالخلاف في أن الوالي إذا ارتشى، فوَهَبَ منه الخصم شيئاً طوعاً، فقد عصى المرتشي، وهل يملك ما أخذه؟ فعلى خلافٍ سيأتي في موضعه.
فإن قلنا: إنه يملك المتَّهَب الذي وهب منه، فحكم الواهب في القضاء، كحكم من يصب الماء. وإن قلنا: لا يملك المتّهب ما قبضه، فليستردّه الواهب إن قدر عليه، فإن لم يسترده مع القدرة، وتيمم وصلّى، لزمه الإعادة وجهاً واحداً، ما دام الماء موجوداً؛ فإنه تيمم مع التمكن من استعمال الماء.
وإن تلف الماء في يد المتّهب، فلا ضمان عليه أصلاً؛ فإن الهبة ليست من عقود الضمان، وما لا ضمان في صحيحه، لا ضمان في فاسده.
ثم من وَقْت فوات الماء على هذا الوجه الذي انتهى إليه التفريع، يكون التفصيل على ما مضى في صبّ الماء.
فصل
٢٩٣ - إذا كان مع الرجل ماءٌ فاضلٌ عن حاجته، واجتمع عليه أقوامٌ، وأراد أن يخصّ بالماء أحوجهم إليه، أو قال لوكيله: سلّم هذا الماء إلى أحوج من عليه طهارة.
أو فرضت وصية على هذه الصيغة.
فهذا تصوير المسألة.
ثم نصور اجتماع أصحاب الحاجات، فإن مات رجلٌ، وحضر جنب، وحائضٌ انقطعت حيضتُها، فالميت أولى بالماء؛ فإن هذا آخر عهده بالطهارة.