الماء، فالماء مستعمل، لا شك فيه، ولا نقول: لو توضّأ، لكفاه مقدارٌ يسير، ولو صُبّ مثله على هذا الماء، لما صار مستعملاً، فإنه إذا انغمس في الماء، فقد اتصل به جميع الماء، ولم يختصّ الاتصال اسماً وإطلاقاً بما يلاقي بشرته.
٣٠٩ - ثم إذا انغمس وانفصل، فهل يرتفع الحدثُ؟ فعلى وجهين: أحدهما - لا يرتفع؛ لأن الماء صار مستعملاً بملاقاة أول جزء إياه، فيحصل الانغماس في ماءٍ مستعمل.
وهذا وإن كان مشهوراً، فهو غلط عندي؛ فإن الماء إنما يثبت له حكم الاستعمال، إذا انفصل المنغمس فيه عنه، كما أن الماء المصبوب على البدن لا يثبت له حكم الاستعمال، ما لم ينفصل عن البدن.
٣١٠ - ولو غمس المتوضىء يده في الماء بعد غسل الوجه، فقد دخل وقتُ أداء فرض اليد، فإن قصد غسلَ يده، فيصير الماءُ القليلُ مستعملاً، وهل يرتفع الحدث عن اليد المغموسة؟ فعلى ما ذكرنا من الوجهين، وإن قصد بوضع اليد في الإناء رفعَ الماء، لم يصر مستعملاً.
وإن وضع اليدَ، ولم يخطر له أداءُ الفرض، ولا رفعُ الماء وتنحيتهُ، فهذا يعسر تصويره عندي؛ فإن من ينقل الماء من الإناء. فقصدُه التنحيةُ لا غسلُ اليد في الماء الذي في الإناء. فإن تُصور سقوط القصدين جميعاًً، فهو كما لو قصد غسلَ اليد؛ فإن من نوى وعَزَبت نيتُه، ثم غسل بقية أعضائه من غير قصدٍ، فيرتفع الحدث عن أعضائه. كذلك هذا.
٣١١ - ومن تمام البيان في هذا: أن من صب الماء على رأسه في الغُسل، فتقاذف من الرأس إلى البطن، وخرق الهواءَ إليه، فقد ذكر بعضُ المصنفين أن الماء يصير مستعملاً؛ فإنه انفصل واتصل بالهواء، وخرج في ذلك الوقت عن التردّد على البدن.
وهذا فيه فضل نظر؛ فالماء إذا كان يتردّد على البدن، ففي الأعضاء تفاوتٌ في الخِلْقة، وليس البدن سطحاً بسيطاً. وإذا كان كذلك، فيقع في جريان الماء بعضُ التقاذف من عضوٍ إلى عضوٍ، لا محالة. ولا يتأتى التحرز من هذا. كيف؟ ولم يَرد الشرعُ بالاعتناء بهذا أصلاً. فما كان من هذا الجنس، فهو محطوط، لا اعتبار به قطعاًً.