فأما مصرف الغرة، فإن لم يكن للجنين وارث سوى أبيه المغرور، فالغرة بكمالها مصروفة إليه، وإن كان للجنين وارث غيرُه، صرف قسط من الغرة إلى من يرث معه على ما تقتضيه قسمة المواريث، ولا يتصور أن ترث معه الأم، فإنها (١) رقيقة، فلا يرث معه (٢) إلا جدة حرة هي أم أم الجنين، فلها السدس من الغرة والباقي للأب. هذا بيان مصرف الغرة وذكر مستحقها.
فأما القول فيما يغرمه المغرور لسيد الأمة، فنقول: حاصل ما ذكره الأئمة وجهان: أحدهما - إنه يغرم لسيد الأمة أقل الأمرين من عُشر قيمة الأم أو قيمة الغرة، فإن كان عشرُ قيمة الأم أقلَّ، غرِمه للمولى، وربما يفضل من الغرة إذا لم يكن للغرة وارث غيره، وإن كانت قيمة الغرة أقلَّ من عُشر قيمة الأم، لم يلتزم المغرور إلا قيمةَ الغرة، هذا أجد الوجهين.
والوجه الثاني - إن المغرور يغرَم للمولى عُشر قيمة الأم بالغاً ما بلغ، وإن كانت قيمة الغرة أقل منه. ولا يخفى أن ما ذكرناه من عُشر قيمة الأم هو واجب الجنين الرقيق عند الشافعي، على ما سيأتي موضحاً في موضعه، إن شاء الله عز وجل. وكأن أحد القائلَيْن يَعتبر الأقلَّ من واجب جنين رقيق أو قيمة الغرة، والقائل الثاني يعتبر واجب الجنين الرقيق بالغاً ما بلغ.
ثم زعم الأئمة أن هذا الاختلاف يقرب من القولين في أن العبد الرقيق إذا جنى وأراد المولى أن يفديه فبكم يفديه؟ (٣) ففيه قولان: أحدهما - إنه يفديه بأقل الأمرين من الأرش أو قيمة العبد الجاني. والقول الثاني - إنه يفديه بأرش الجناية بالغاً ما بلغ إن أراد أن يسلم له العبد، وإن أبى بيع العبد في الجناية.
ثم أصح القولين: أن السيد يفديه بأقل الأمرين، فقال الأصحاب في مسألة المغرور والغرة: أصح الوجهين أنه يغرم للمولى أقلَّ الأمرين من عُشر قيمة الأم أو قيمة الغرة. واختار القاضي أنه يغرَم للمولى عُشر قيمة الأم بالغاً ما بلغ، وإن كانت قيمة
(١) زيادة من المحقق.
(٢) زيادة اقتضاها السياق.
(٣) في الأصل: "فلم يَفْدِه".