الغرة أقل منه. ولا شك أن القاضي يختار في مسألة الفداء أنه يفدي السيد العبد بأقل الأمرين. والأصح عندنا ما اختاره القاضي، وسيتضح بتوجيه اختياره، وما يذكره الأصحاب في مقابلته حقيقة الفصل ومداره.
٨٢٦٢ - فنقول: المعتبر فيما يغرمه المغرور للمولى تفويته عليه، فإنا قلنا: إذا انفصل الجنين الحر حياً، فيجب على المغرور قيمته يوم الانفصال، والسبب فيه أنه لو كان رقيقاً، لكان يسلم للمولى، فإذا قلنا: صار (١) العبد يسبب الغرور حراً، وقد انفصل الجنين الحر حياً، فقد فوت المغرور الرِّق على السيد.
فإذا بان أن معوّل الضمان ما ذكرناه من التفويت، فنعود ونقول: إذا انفصل الجنين بجناية الأجنبي الجاني، فلو كان رقيقاً، لكان الجاني يغرم عُشر قيمة الأم، فالغرور فَوّت في هذه الحالة عُشرَ قيمة الأم؛ فليجب هذا المقدار على المغرور للسيد، ولا ننظر إلى الغرة. كما أنّا عند انفصاله حياً نوجب قيمته، وإن زادت على مقدار الدية؛ نظراً إلى ما صار المغرور سبباً في تفويته.
وهذا القائل يقول: أَخْذ هذا من فداء العبد الجاني محال؛ فإنَّ ذلك مفروض في عبد يتعلق الأرش برقبته، والسيد يبغي أن يستبقيَه، فيتجه ألا نلزمه أكثر من قيمته؛ فإنه لو سلمه للبيع، لم يتحصل المجني عليه إلا على ثمنه، وما يضمنه المغرور في مسألتنا ليس مأخوذاً من مأخذ الفداء، وإنما هو مأخوذ من التفويت الذي قررناه.
ومن نصر الوجه الثاني وهو المشهور، وإليه ميل جمهور الأصحاب، احتج بأن، (٢) سبب تغريم المغرور ما وجب على الجاني من الغرة؛ إذ لو انفصل ميتاً من غير جناية، فلا ضمان، و (٣) ما ضمن المغرور للسيد شيئاًً، فإذا كان سبب التضمين ما يجب على الجاني، فيبعد أن يزيد ما يضمنه المغرور على ما يضمنه الجاني له؛ إذ لو زاد، لكان المسبَّب زائداً على السبب.
(١) زيادة اقتضاها السياق.
(٢) في الأصل: بأنه.
(٣) (الواو) زيادة من المحقق.