٨٣٠٣ - فإذا رفعت المرأةُ زوجَها إلى مجلس الحكم، وزعمت أنه عاجزٌ عِنِّين، فالزوج لا يخلو؛ إما أن يُقرَّ بالعُنة كما ادعتها، وإمَّا أن يدعي القدرة على الوقاع.
فإن اعترف بالعنة، أو أنكرها، ولكن قامت بيِّنة عادلةٌ على إقراره بالعُنة؛ فلا يثبت للمرأة حقُ الفسخ وإن ثبت الإقرار بالعُنة. وتبيَّن في مفتتح هذا الكلام أنَّ العنة لا (١) تجري مجرى الجَب؛ فإن نفس وقوع الجب يُثبت الخيار، والعنة في ظاهر الحكم قد ثبتت بإقرار الزوج، ولا خيار باتفاق أئمة المذهب، ولكن يضرب القاضي للزوج المدة، وهي سنة، يمهله فيها، ويُبيِّين له: أنك إن أصَبْتَ في المدة المضروبة، انفصلت الخصومةُ وانقطعت الطَّلِبة، وإن لم تُصِبْ، ثبت الخيارُ في فسخ النكاح بعد تَصَرُّمِ المدة.
والحكمة في إمهاله هذه المدة أنَّ العُنة قد تحال على أسباب يقتضيها (٢) بعض فصول السنة، فإذا جرى هذا المهَل، وتَصَرَّمت الفصول على اختلافِ طبائعِها، تحقق العجزُ إذ ذاك، وكأنّ العُنَّة، وإن جرى الاعتراف بها (٣) لا يتبيّن تحققها إلا بما ذكرناه.
وهذا احتياط رآه الشرع، وتشوّفٌ إلى إدامة النكاح لتعرض العُنّة للزوال لتغايير تلحق الضعف والمُنَّة، وقد صح أن عمر أجّل العنين سنة (٤)، وأجمع المسلمون على اتباع قضائه في قاعدة الباب.
وما ذكرناه فيه إذا اعترف الزوج بالعُنة، أو شهدت بيّنة على اعترافه بها.
فإن ادعت المرأةُ العُنةَ، فأنكر الزوج، فشهدت بيِّنة على العنَّة نفسها ولم يتعرضوا لإقراره بها؛ فالبيِّنَةُ مردودة؛ فإنه لا اطلاع للشاهدين على ما شهدوا به، ولو كانوا سمعوا إقراره، فليس لهم أن يشهدوا بالمقرّ به، بل عليهم أن يتعرضوا للإقرار نفسه.
(١) زيادة من المحقق.
(٢) في الأصل: يقضيها.
(٣) في الأصل: بما.
(٤) تأجيل العنين سنة، رواه البيهقي في السنن: ٧/ ٢٢٦.