ثم قد قدمنا في صدر الفرع أنها أذنت، فهي ثبّتت النكاح (١)، ثم ادعت محرمية، فلم (٢) يُقْبل ذلك.
وهاهنا وجهان من النظر: أحدهما - أنَّ ما ذكرناه من مذهب ابن الحداد في المجبرة من أنها تُصَدَّق (٣)، أردنا به أنَّا نُحلّفها (٤) اكتفاءً بيمينها، والدعوى مقبولة، فإن أقامت على ما ادعته بيِّنة سُمعت.
وما رَدَدْناه من قول الثيِّب، فهو ردٌّ على التحقيق؛ فإن قولها الأخير يناقض إذنها.
ولكن يعرض هاهنا أصلٌ آخر، وهو أنها إذا أتت بكلام منتظم، وزعمت أنها أذنت على ظاهر الحال، ثم تبيّن محرميِّةٌ، لم تكن عالمةً بها حالةَ الإذن، فهل نقبل دعواها على هذا النسق؟
قد قدمنا هذا في المرهون: أنَّ الرجلَ إذا أقرَّ بالرهن والإقباض، ثم زعم أنه اعتمد فيه كتاباً، ثم تبيَّن له أنَّ الكتابَ كان مزوراً؛ ففي قبول دعواه على مناقضة إقراره الأول تفصيل طويل أتى الشرح عليه، وهذا يناظر ذاك، بل قولها بالقبول أولى؛ لأنَّ ما أتت به ظاهرُ الاحتمال مُتسقٌ في مجال العرف.
ثم إنْ لم نقبل ذلك منها، أو إذا أطلقت الدعوى ولم تُفصِّل، فلا نقبل أيضاًً وإن قبلنا هذا مفصلاً، فهل نقبل ذلك منها مطلقاً من غير تقديم تمهيد عذْر؟ فيه اختلاف قدمته أيضاًً.
ومما يجب البحث عنه أنَّ الأخ إذا زوّج البكر البالغة، واكتفى بصمتها تفريعاً على أظهر الوجهين، فإذا زُوِّجت وهي ساكتة، ثم ادعت محرمية؛ فقد تردد الحُذّاق في ذلك، فذهب ذاهبون إلى أنَّ صمتها تصريح بالإذن، كما أنَّ صمتها بمثابة نطق الثيِّب في عقد النكاح، والذي ارتضاه العراقيون أنَّ دعواها مسموعةٌ، وعندي أنَّ الدعوى مسموعة ولا تصدق باليمين. فهذا منتهى القول.
(١) في الأصل: في النكاح.
(٢) في الأصل: لم.
(٣) في الأصل: لا تصدق. وهو خلاف ما جاء عن ابن الحداد آنفاً.
(٤) في الأصل: "لا نحلّفها". ولا يستقيم الكلام بهذا النفي.