ومسلك المحققين أن الإكراه هو الذي يسلب الطاقة والإطاقة، ولا يُبقي في غالب الأمر للمرء خِيَرَة التقديم والتأخير، حتى يصير كأنه لا اختيار له، والمخوّف بالقتل والقطع كذلك، فلا يقع (١) المطلوب منه لنظره وتخيره (٢).
فأما الذي يؤثر الطلاق على الحبس، فإنما هو مفضّلٌ حالةً على حالة، ومرتاد عيشة على عيشةٍ، واختياره صحيح، فلا يتحقق الإكراه والحالة هذه.
والذي فرضه الأولون من الموازنات، والنظر في الأقدار مسلكٌ من مسلك الرأي والاستصواب، فقد يُرهق الزمانُ المرءَ إلى أمثاله، فيستصوب له أن يطلّق أو يبيع، وليس هذا من الإكراه الحقيقيّ في شيء، فينحصر الإكراه على هذا المسلك فيما يكاد يُعدِم الاختيار، حتى لا يبقى إلا ما يؤثره من يفر من الأسد في وطء الأرض المشوكة، فقد يتخطاها الفارّ وهو لا يحس بوخز الشوك.
وبين هذه الطريقة والطريقة الأولى تباين عظيم.
ثم لا نفرّق فيه بين أن يكون الإكراه على إتلاف مالٍ قلّ أو كثر، أو على بيع مال، أو طلاق، أو قتلٍ، ولا يعترض على هذا إلا شيء واحد، وهو أنه لو خُوّف بإيلامٍ عظيم لا يصابَر، وإن لم يكن مما يقصد به القتل، فقد يحصل بمثل هذا قريبٌ من سلب الطاقة، وفيه نظر.
وأنا أقول: التخويف به لا يكون إكراهاً، أما مفاتحته (٣) بالإيلام، ففيه الاختلاف (٤)، وليس هذا كالتخويف بالقتل؛ فإن وقوع الخوف أشد من وقوع هذا الإيلام.
هذا بيان تأصيل الطريقين.
٩١١٠ - وعلينا بعد هذا أمران: أحدهما - التفصيل والآخر - الإشارة إلى العثرات: أما التفصيل، فتأصيل الطريقة الأخيرة بفصلها (٥)، ولا يرد عليها إلا الألم
(١) في الأصل: ولا يقع.
(٢) المعنى لقطع نظره وتخيّره بالإكراه.
(٣) مفاتحته بالإيلام: المعنى بدء إيلامه.
(٤) في الأصل: الاحتلام.
(٥) بفصلها: أي كما هي عليه في بياننا وشرحنا لها.