بجريان العفو، فلا قصاص على القاتل، إجماعاً، وليس كما لو قتل رجل رجلاً في دار الإسلام عمداً، ثم راجعناه، فزعم أنه حسبه مرتداً أو حربياً، ففي وجوب القصاص قولان، وستأتي هذه المسألة ونظائرها.
وغرضنا الفرق (١) الآن، فالمستناب إذا قتل، كان معذوراً، وكان عذره ظاهراً، والذي يدّعي الردة يستند (٢) في قتله إلى أمر بعيد (٣)؛ فإن المرتد لا يترك مُسيَّباً، والحربي يبعد اجتراؤه على دخول دار الإسلام من غير ذمام.
وإذا ثبت ما ذكرناه، فقد يُدعى على المستناب أنه قتل عالماً بالعفو، قالقول قوله مع يمينه في نفي العلم.
١٠٤٠٩ - فإذا وضح انتفاء القصاص، ففي وجوب الدية على هذا القاتل قولان.
واختلف أصحابنا في مأخذهما: فمنهم من قال: هما مأخوذان من اختلاف قول الشافعي في أن الوكيل إذا عزله الموكل ولم يبلغه الخبر، فهل نحكم بانعزاله؟ وقد مضى القولان في الوكالة، قال هؤلاء: إن حكمنا بأن الوكيل لا ينعزل، فقتْلُ المستناب واقعٌ بحقٍّ، فلا دية، وإن حكمنا بأنه ينعزل، فالقتل غير واقع بحق، فتجب الدية.
وهذا مسلك باطل، وقد أورده الصيدلاني، وبنى المسألة عليه، ووجه بطلانه أنا وإن حكمنا بأن الوكيل لا ينعزل، فتصرف ذي الحق نافذ في حقه، فإذا نفذ وتضمّن نفوذه عزلاً للوكيل، انعزل قطعاً.
ولو وكل الرجل رجلاً ببيع عبده، ثم إن الموكل أعتقه، ثم باعه الوكيل، فالبيع مردود؛ فإن العتق لا بد من تنفيذه، وفي تنفيذه رد بيع (٤) الوكيل، والعفو في مسألتنا من مستحِق القصاص مشبّه بالعتق في الصورة التي ذكرناها، فلا وجه لرد
(١) في الأصل: "العرو" (بهذا الرسم تماماًً).
(٢) زيادة اقتضاها السياق.
(٣) في الأصل: "يعمد".
(٤) في الأصل: "مع".