صاحب الأنملة العليا أجيب، فاقتصّ، وصاحب الوسطى لو أراد الابتداء بالمطالبة، لم يُجَب؛ فإن الوسطى منه قطعت ولا عليا عليها، ولو قطعنا الوسطى من الجاني قبل استيفاء العليا، كنا متلفين أنملتين في مقابلة أنملة، ولا سبيل إلى هذا.
والوجه أن نذكر مسلك الأصحاب، ثم نختتم الفصل بمباحثة القفال رضي الله عنه، فنقول: إن قطعنا الأنملة العليا قصاصاًً، ثم قطعنا الوسطى عن الوسطى قصاصاًً، فقد ترتب الأمر.
وإن لم يطلب صاحب العليا، وطلب صاحبُ الوسطى، لم نجبه إلى ذلك، فلو
قال: إذ حُلْتم بيني وبين القصاص، فادفعوا إليّ المال للحيلولة، فهل يجاب إلى المال؟ فيه خلافٌ مشهور بين الأصحاب، وقد ذكروا رضي الله عنهم أحكاماً، وصاغوا لها صيغاً وطردوا الاختلاف فيها، وجميعها تدور على معنى واحد:
قالوا: لو أخذ المال، ثم سقطت الأنملة العليا، فهل يردّ المال ويطلب القصاصَ؟ فعلى وجهين، سبقت لهما نظائر في الغرامات، والمراجعات في أرش العيب القديم في المبيع، فلا حاجة إلى إعادتها.
قالوا: وهل له طلب المال من غير عفو؟ فعلى وجهين.
وقالوا: نفس أخْذ المال هل يكون عفواً منه عن القصاص؟ فعلى وجهين، وجميع ذلك يرجع إلى ما ذكرناه من أن الحيلولة في القصاص هل تُثبت حق الرجوع إلى المال؟ فإن لم تَثْبُت الحيلولةُ مقتضيةً لذلك، لم يُجب إذا طالب، وإن قنع بالمال، لم يرجع إلى القصاص، وأَخْذُه المطلق (١) للمال عفو.
قال الشيخ أبو بكر (٢): إذا قَتَلت المرأةُ، واستوجبت القصاص وهي حامل، فهل لمستحق (٣) القصاص طلبُ المال للحيلولة؟ قال: فيه احتمال، كمسألة الأنملة التي نحن فيها.
(١) في الأصل: "وأخذ المطلق". والمعنى أن الأخذ للمال مطلقاً عفوٌ، بغير قيد العفو.
(٢) الشيخ أبو بكر: هو الصيدلاني.
(٣) في الأصل: "يستحق".