فلا تجب الدية، ولكن تجب حكومة على قدر التأثير، وهذا بمثابة ما لو جنى على اليد، فنقص من بطشها.
فإن قيل: الماشي بعكازه يعتمده، فلا مشيَ منه، قلنا: هذا محالٌ، فإن من كسر صلبه على التحقيق لا يتأتى ذلك منه أصلاً، بل الاعتماد على العكاز إنما يتأتى ممن (١) معه قيامٌ (٢) من صلبه.
ومما ذكره الأئمة في هذا أنه لو كسر صلبه، فقد تعطلت منفعة رجليه، فلا يلزمه دية الرِّجل؛ فإنها صحيحة لا آفة بها، وتعطل المشي فيها ليس من جهة الجناية عليها، وهذا متفق عليه بين الأصحاب، وهو بمثابة ذهاب العين؛ فإنه ينتقص بسببه انتفاع الإنسان بمعظم أعضائه، ولا تجب إلا دية العينين.
ولو كسر صلبه، فسقط بسببه مشيه، فقد ذكر أئمتنا فيه وجهين.
والجملة المعتبرة في ذلك أن من جنى على عضو، فسقطت المنفعة الكائنة في ذلك العضو، فلا شك أنا نفرد تلك المنفعة بموجَبٍ، بل إن ما وجب في العضو ما وجب (٣) إلا (٤) لاتصافه بتلك المنفعة؛ فإن الأعضاء تُعنى لمنافعها، لا لأجزائها (٥).
ولو جنى على عضوٍ، فتعطل به عضوٌ وهو صحيح لا آفة به (٦)، فهذا تعطيل، والتعطيل لا يوجب ضماناً إلا في المحل المجني عليه، فإذا ذهب منيُّه (٧) والمجني عليه صلبه، فقد اشتهر خلاف الأصحاب في ذلك، والوجه عندي أن نقول: ليس للمنيّ محل مخصوص (٨) من البدن، وإنما هو مادة ترسلها الطبيعة من الاعتدال
(١) في الأصل: "مما".
(٢) في الأصل رسمت هكذا: (مال ـام).
(٣) في الأصل: "يجب".
(٤) زيادة اقتضاها السياق.
(٥) في الأصل: "أجزائها".
(٦) في الأصل: "وهي صحيحة لا آفة بها" وأظن ظناً أن هذا من آثار عجمة سابقة في لسان الناسخ.
(٧) في الأصل: "منه".
(٨) في الأصل: "محلاً مخصوصاً".