والقصاص، فإذا صار سببهما من الذمي والمعاهد، وجبا عليهما وفاقاً.
فأما العقوبات التي هي حدود الله تعالى، فهي أقسام: منها حد الشرب، وقد قال المحققون: لا يجب على الذمي حد الشرب، لأنه يعتقد حِل الخمر، وقد ذكرنا خلافاً بعيداً في ذلك.
وقد ذكرنا نصَّ الشافعي على أن الحنفي إذا شرب النبيذ حُدّ، وذكرنا تخريجاً في هذا، والذي نزيده أن من أصحابنا من قال: إنما أحد الحنفيّ إذا شرب وسكر؛ فإن ما يُعقب السكرَ حرام وفاقاً، فيعود الخلاف إلى نفي الحد ووجوبه، والخلاف في الحد لا يمنع الإمام من الجريان على موجَب عقده في استيفاء الحد، وهذا فيه تأمّل؛ فإنا إن لم نجر على نص الشافعي أن الحنفي يحد إذا شرب وإن لم يُسكر، فالحكم بتحريم المقدار المسكر على رأي أبي حنيفة عسر، وللاحتمال على الجملة مجال، والمعتمد النص. هذا قولنا في حد الشرب.
١١١٣٤ - فأما قطع السرقة، فإنه يجب على الذمي، فإن سرق من مال المسلم، قطعه الإمام، ولا يتوقف الأمر على رضاه بحكمنا؛ فإن الذمي مزجور عن التعرض لمال المسلم بالحد، فلو توقف الحد على رضاه، لبطل هذا المعنى، وإذا سرق الذمي من الذمي، فذاك مما يتوقف إقامة الحد فيه على ترافعهما، ثم يجري القولان في أنا هل نحكم على الممتنع إذا ارتفع إلينا الخصم المطالِب في المال؟ (١).
وكذلك لو زنى الذمي بمسلمة، فالوجه عندنا القطعُ بإقامة الحد عليه؛ لما حققناه في السرقة، فأما إذا زنى بكافرة، فيقع ذلك في تفصيل حكمنا عليهم قهراً واختياراً.
ثم كما يجب على الذمي القطع بسرقة مال المسلم يجب على المسلم القطع بسرقة
(١) كذا. والمعنى على أية حال: إذا ارتفع إلينا الخصم المطالب في السرقة.
وقد نقل الرافعي هذه العبارة عن الإمام قائلاً: " وأشار الإمام إلى القطع فيما إذا سرق مال مسلم، بأنه يقطع، ولا يتوقف الأمر على رضاه، وذكر أنه إذا سرق مال ذمي، فإنما يقطع إذا ترافعوا إلينا، ويجري القولان في إجبار الممتنع إذا جاءنا الخصم " (ر. الشرح الكبير: ١١/ ٢٢٥).