توجيه القولين: من منع القتل، احتج بما روينا: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الحقوا خالداً، وقولوا له: لا يقتل عسيفاً ولا امرأة "؛ ولأن هؤلاء ليسوا من أهل القتال، فكانوا كالنسوان والصبيان.
ومن قال: إنهم مقتولون، احتج بقوله صلى الله عليه وسلم: " اقتلوا شيوخ المشركلين، واستحيوا شَرْخَهم " (١) والشرخ الشباب.
ثم اختلف أئمتنا في وجه تنزيل القولين في الشيخ، فذهب المحققون إلى أنهما يجريان في الشيخ الفاني الذي لا يرجع إلى بطش، ولا إلى رأي، فأما من كان صاحب رأي، فهو مقتول قولاً واحداً. ومن أصحابنا من أجرى القولين في الشيخ ذي الرأي، إذا لم يكن من أهل القتال، وهذه الطريقة ضعيفة. ثم لا ينتهي صاحبها إلى الانكفاف عن قتل شيخ حضر الواقعة، وكان يدبّر الجند أو يَصلُح (٢) له، فمثل هذا مقتول، ويدلّ عليه قصة دريد بن الصِّمة. وقيل: إنه كان ابنَ مائة وخمسين سنة، فقتل في غزوة أَوْطاس (٣). فأما إذا حضر الواقعة شيخ لا يرجع إلى بطش، ولا إلى رأي، فيجوز إجراء القولين فيه، ولا يمتنع القطع بقتله؛ لأنه بحضوره، ووقوفه مقاتلٌ.
١١٣٥٠ - ثم إن قلنا: هؤلاء مقتولون، فلا شك أن سبيلهم سبيل المقاتلين، فتغنم أموالهم، وتسبي ذراريهم، ونساؤهم.
وإن قلنا: لا يقتلون، فكيف سبيل الرق فيهم؟ حاصل ما ذكره الأئمة في التفريع على هذا القول ثلاثة أوجه: أحدها - أنهم يَرِقون بنفس السبي كالنساء والذراري.
والثاني - أنهم لا يَرِقون بنفس الوقوع في الأسر كالمقاتلة من الرجال، ولكن للإمام
(١) حديث " اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم " رواه أبو داود، والترمذي وقال: حسن صحيح غريب، وأحمد، والبيهقي. وقد ضعفه الألباني (ر. أبو داود: الجهاد، باب في قتل النساء، ح٢٦٧٠، الترمذي: السير، باب ما جاء في النزول على الحكم، ح ١٥٨٣، أحمد: ٥/ ١٢، ٢٠، البيهقي: ٩/ ٩١، ضعيف سنن أبي داود: ح٢٦٧٠، ضعيف سنن الترمذي: ح ١٦٤٨ التلخيص: ٤/ ١٩٣ ح ٢٢١٧)
(٢) يصلح له: أي يصلح للتدبير. والمعنى سواء كان يمارس التدبير فعلاً أو يصلح له.
(٣) حديث مقتل دريد بن الصمة. متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري (ر. اللؤلؤ والمرجان: ٣/ ١٦٩ ح ١٦٢٤).