٧٥٨ - وبقي الآن الكلامُ في الجهة الواحدة إذا تغير الاجتهاد فيها.
فنقول: في مقدمة ذلك:
ظهر اختلاف أئمتنا في أن مطلوب المجتهد عين الكعبة أو جهتها، وهذا فيه إشكال؛ فإن المجتهد إذا كان على مسافة بعيدة، فكيف يتأتى منه إصابةُ مسامتة عين الكعبة؟ وكيف يقدر ذلك مطلوباً لطالب؟ والطلب إنما يتعلّق بما يمكن الوصول إليه.
وكان شيخي يقول: محل هذا الاختلاف يؤول إلى أن المجتهد يربط فكره في طلبه بجهة الكعبة أو عينها.
وليس ذلك واضحاً عندي، ولعل الغرض في ذلك يتضح بمسلكٍ آخر، ذكره العراقيون، وهو أنهم قالوا: هل يتصور دَرْكُ يقين الخطأ في الجهة الواحدة؟ فعلى وجهين: أحدهما - يتصوّر ذلك، كما يتصور ذلك في الجهتين.
والثاني - لا يتصور درك يقين الخطأ في الجهة الواحدة.
فإن قلنا: يتصور ذلك، فعن هذا عبّر الأولون؛ إذ قالوا: "المطلوب عين الكعبة". وإن قلنا: لا يتصور درك اليقين فيه، ففي هذا عبر المعبرون، إذ قالوا: " المطلوب جهة الكعبة".
وهذا كلام ملتبس، فيه بعد عندي؛ فإن من ظنّ أن جهات الكعبة، أو جهات شخص المصلي في موقفه أربع، فقد بَعُد عن التحصيل بُعداً عظيماً، وكل مَيْلٍ يفرض في موقف الإنسان، فهو انتقال منه من جهة إلى جهة أخرى، فذكر الجهة الواحدة، وفرْضُ الخلاف فيها، وتقدير ردِّ الطلب إلى الجهة، أو عين البيت، كلام مضطرب؛ لا يشفي غليل الناظر الذي يبغي دَرْك الغايات.
٧٥٩ - فالوجه في ذلك عندي أن يقال: من اقترب في المسجد الحرام من الكعبة، فإنه يصير منحرفاً عنها بأدنى ميل وانحراف، بحيث يُقطع بأنه ليس مستقبلها، وإذا وقف في أخريات المسجد، فيختلف اسم الاستقبال اختلافاً بيناً (١)، ولذلك لا يصطف في المطاف ثلاثون إلا ويخرج بعضهم عن مسامتة الكعبة، ويصطف في
(١) ساقط من الأصل، ومن (ط).