مؤخر المسجد ألف، ويسمى كل واحد منهم مستقبلاً. وقد تمهد أن التعويل على الاسم، فلا يسوغ تخيل غيره؛ فإن الخلق لو كُلِّفوا مُقابلة لو مَشَوْا على خطوط مستقيمة من مواقفهم، لاتصلت أجسادهم بالكعبة، لكان ذلك تكليف ما لا يطاق.
ثم إذا تجدّد العهد بهذا، فالذي يقف بعيداً في المسجد، لو انحرف أدنى انحراف لا يخرج عن اسم المستقبل، وإن كان لو انحرف كذلك في المطاف، لكان مائلاً عن المسامتة، فإذا لاح ذلك فيمن يبعد في المسجد بعضَ البعد، فهو فيمن يقطن طرفَ الشرق والغرب أظهر وأبين.
٧٦٠ - فنبتدىء بعد ذلك، ونقول: إذا وقع الفرض في الماهر المتناهي في العلم بأدلة القبلة، فإنه لا يَقطع بسلب اسم الاستقبال عمن يلتفت على البعد بعضَ الالتفات، وإذا ظهر الالتفات والميل، فيقطع إذ ذاك، ولا يتوقف قطعه بأن يُولِّي الواقفُ سمتَ الكعبة، يمينَه أو يسارَه. فالصوب (١) الذي لا يقطع الماهر على المتقلّب فيه بالخروج عن اسم الاستقبال، فهو الذي ينبغي أن يسميه الفقيه جهة الكعبة.
وإذا انتهى الأمر إلى منتهى يقطع البصير على المنحرف إليه بالخروج عن اسم الاستقبال، فهو جهةٌ أخرى، غيرُ جهة القبلة.
ثم حظ الفقيه وراء ذلك أنه يغلب على ظن الماهر أن بعض الوقفات -بين جَرْي الخروج عن اسم الاستقبال- أقرب إلى ابتغاء السداد من بعض، فهل يجب طلب المسلك الأسدّ في الظن؟
فعلى وجهين: أحدهما - لا يجب، كما لا يجب على الواقف في أخريات المسجد أن يتناهى في الاستداد.
والثاني - يجب؛ لأن الذي في المسجد على يقين من أنه بالتفاته القريب غيرُ خارج عن اسم الاستقبال، والبعيد على خطر من ذلك، فيجب عليه طلبُ الأصوب، فهذا هو الوجه.
(١) في الأصل، وفي (ت ١)، وفي (ط): والصواب. والمثبت من (ت ٢).