فلو قال بعد الإعلام: يلزمه أداؤه، وأنا أبغي أن يؤديه الآن، فهذا تمام الخصام بعد الإعلام، ولو لم يقل: إني طالب مطالِب، وقوله " يلزمه " فيه تردد، وقد اكتفى الأصحاب بقوله: " يلزمه أداؤه "؛ فإن الأداء لا يلزم إلا مع الطلب، وقد يقول الفقيه: من عليه دَين حالٌّ يلزمه أداؤه، وإن لم يطلبه صاحبه، وإنما يسقط وجوبُ الأداء برضا مستحق الحق بتأخيره، فينشأ من مجموع ما نبّهنا عليه ترددٌ بيّن في أنا هل نشترط التصريح بالطلب، وهذا محتمل جداً (١).
١١٩٢٨ - فإذا وضح الغرض من الدعوى، وهي متعلقة بالغائب، فإنّا في هذا القسم نتكلم: فالدعوى (٢) المجردة على الغائب، لا خير فيها إذا لم يكن للمدعي بينة، وإنما تفرض الدعاوى على الغُيّب ممن يبغي إقامةَ البيّنة.
فإذا فهمت الدعوى، فلا استقلال بعدُ، ولا استمكان من إقامة البينة حتى يدعي جحودَ الغائب، أو معنىً يَحِلّ محلّ الجحود، كما سنصفه، إن شاء الله.
فإذا ادعى على الغائب، وزعم أنه جاحد، فلا حاجة به إلى إثبات جحوده، ولكن يكفيه ذكر الجحود متصلاً بالدعوى. هذا ما ذكره الصيدلاني وأئمة المذهب.
ولو قال: لي على فلان الغائب ألفٌ، وهو معترفٌ به، ولكني أبغي أن أقيم بيّنةً استظهاراً بها وأنتجزُ كتاباً، فعساه ينكر إذا أتيتُه (٣)، قالوا: لا تقبل البينة كذلك، فقد شرطوا دعوى الجحود، واتفقوا على أنه لا يكلف إثبات الجحود بالبيّنة. وكأنهم شرطوه لانتظام الدعوى والبيّنة؛ فإن الدعوى لا ترتبط بالبيّنة إلاّ على تقدير الجحود.
وهذا من مشكلات الباب؛ فإنه إن ادعى جحودَه في الحال، فهذا محال؛ وكيف يدعي جحودَ من لا يعلم حياته، وإن كان يدعي جحوده لمَّا كان حاضراً، وقد مضت سنة، فالبينة في المآل لا ترتبط بجحودٍ ماضٍ، وعن هذا قال قائلون من
(١) في الأصل: " خلافاً " والمثبت من (ق).
(٢) في الأصل: " بالدعوى ".
(٣) ما بين المعقفين فيه كلمتان مصحفتان في الأصل (انظر صورة الجملة الكاملة). والمثبت تقدير من المحقق. والحمد لله جاءت بصحته (ق).