وَقد روى هَذِه الْحِكَايَة عَن الْغَزالِيّ أَيْضا الْوَزير نظام الْملك كَمَا هُوَ مَذْكُور فِي تَرْجَمَة نظام الْملك من ذيل ابْن السَّمْعَانِيّ
ثمَّ إِن الْغَزالِيّ قدم نيسابور ولازم إِمَام الْحَرَمَيْنِ وجد واجتهد حَتَّى برع فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف والجدل والأصلين والمنطق وَقَرَأَ الْحِكْمَة والفلسفة وَأحكم كل ذَلِك
وَفهم كَلَام أَرْبَاب هَذِه الْعُلُوم وتصدى للرَّدّ على مبطليهم وَإِبْطَال دعاويهم
وصنف فِي كل فن من هَذِه الْعُلُوم كتبا أحسن تأليفها وأجاد وَضعهَا وترصيفها
كَذَا نقل النقلَة وَأَنا لم أر لَهُ مصنفا فِي أصُول الدّين بعد شدَّة الفحص إِلَّا أَن يكون قَوَاعِد العقائد وعقائد صغرى وَأما كتاب مُسْتَقل على قَاعِدَة الْمُتَكَلِّمين فَلم أره وسأعقد فصلا لأسماء مَا وقفت عَلَيْهِ من تصانيفه
وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ شَدِيد الذكاء سديد النّظر عَجِيب الْفطْرَة مفرط الْإِدْرَاك قوي الحافظة بعيد الْغَوْر غواصا على الْمعَانِي الدقيقة جبل علم مناظرا محجاجا
وَكَانَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ يصف تلامذته فَيَقُول الْغَزالِيّ بَحر مغدق وإليكا أَسد مخرق والخوافي نَار تحرق
وَيُقَال إِن الإِمَام كَانَ بِالآخِرَة يمتعض مِنْهُ فِي الْبَاطِن وَإِن كَانَ يظْهر التبجح بِهِ فِي الظَّاهِر
ثمَّ لما مَاتَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ خرج الْغَزالِيّ إِلَى المعسكر قَاصِدا للوزير نظام الْملك إِذْ كَانَ مَجْلِسه مجمع أهل الْعلم وملاذهم فناظر الْأَئِمَّة الْعلمَاء فِي مَجْلِسه وقهر الْخُصُوم