لَمْ يَسْتَوْجِبُهُ، كَمَا لَا يَحِلُّ إِبْطَالُهُ عَمَّنِ اسْتَوْجَبَهُ بِغَيْرِ شُبْهَةٍ فِيهِ. وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَشْفَعَ إِلَى إِمَامٍ فِي حَدٍّ قَدْ وَجَبَ وَتَبَيَّنَ؛ فَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ ذَلِكَ إِلَى الإِمَامِ فَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي التَّوَقِّي لِلشَّفَاعَةِ فِيهِ بَعْدَ رَفْعِهِ إِلَى الإِمَامِ فِيمَا عَلِمْنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنِ الْفَرَافِصَةِ الْحَنَفِيِّ قَالَ: مَرُّوا عَلَى الزبير بسارق فشفع فِيهِ فَقَالُوا لَهُ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا لَمْ يُؤْتَ بِهِ الإِمَامُ فَإِنْ أُتِيَ بِهِ الإِمَامُ فَلا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ إِنْ عَفَا عَنْهُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَفَعَ فِي سَارِقٍ فَقِيل لَهُ: أَتَشْفَعُ فِي سَارِقٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا لَمْ يُبْلَغْ بِهِ الإِمَامُ فَإِذَا بُلِغَ بِهِ الإِمَامُ فَلا أَعْفَاهُ اللَّهُ إِنْ عَفَا.
وَحَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ "ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ عِبَادِ اللَّهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ".
قَالَ أَبُو يُوسُف: وَقَدْ رَأَيْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ فُقَهَائِنَا يَكْرَهُ الشَّفَاعَةَ فِي الْحَدِّ الْبَتَّةَ وَيَتَوَقَّاهُ، وَيَحْتَجُّ فِي ذَلِكَ بِمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: "مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ حَادَّ اللَّهَ فِي خلقه".
قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ ابْنَةَ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهَا. قَالَتْ: سَرَقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ قَطِيفَةً مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزَمَ عَلَى قَطْعِ يَدِهَا؛ فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ فَجِئْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُكَلِّمُهُ وَقُلْنَا: نَحْنُ نَفْدِيهَا بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَةً؛ فَقَالَ "تَطْهُرُ خَيْرٌ لَهَا"؛ فَلَمَّا سَمِعْنَا لِينَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَيْنَا أُسَامَةَ قُلْنَا: كَلِّمْ رَسُولَ الله صلى الهل عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَقَالَ: "مَا إِكْثَارُكُمْ عَلَيَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ وَقَعَ عَلَى أَمَةٍ مِنْ إِمَاءِ اللَّهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ نَزَلَتْ بِمِثْلِ الَّذِي نَزَلَتْ بِهِ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا"١. قَالَ: وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَا أُسَامَةَ لَا تَشْفَعْ فِي حَدٍّ".
قَالَ: وَحَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "لأَنْ أُعَطِّلَ الْحُدُودَ فِي الشُّبُهَاتِ خَيْرٌ مِنْ أقيمها فِي الشُّبُهَات"؟
١ حاشا هَذَا الْعُضْو الشريف لتِلْك السيدة الشَّرِيفَة سيدة نسَاء أهل الْجنَّة أَن يقطع، وَلذَلِك اسْتعْمل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم حرف "لَو" الَّذِي هُوَ امْتنَاع لِامْتِنَاع يمْتَنع قطع يها لِامْتِنَاع سرقتها -رَضِي الله عَنْهَا وَعَن أمهَا وَأهل بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم أَجْمَعِينَ.