فأما قوله: وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ «١» فإنما ترك إجراؤه لاستقبال الألف واللام، فطرح تنوينه كما قرءوا: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ «٢».
قوله تعالى: قالُوا: سَلاماً قالَ: سَلامٌ «٣». يقرأ بإثبات الألف وفتح السين، وبكسرها وحذف الألف «٤». فالحجة لمن أثبت وفتح: أنه جعله من التحيّة والسلام، ومعناه: تسلّما منكم تسأّما. أو يريد: تركناكم تركا، فكأنه قال: قالوا: تركا. فردّ عليهم: ترك. ومنه قولهم: لا تكن من فلان إلّا سلاما تسلم. معناه: إلّا مباينا له متاركا.
فالأول: منصوب على المصدر. والثاني: مرفوع بالابتداء. والحجة لمن حذف الألف، وكسر السين: أنه جعله من الصلح. والمسالمة يريد قالوا: نحن سلم.
قوله تعالى: وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ «٥». يقرأ برفع الباء ونصبها. فالحجة لمن رفع:
أنه أراد: الابتداء، وجعل الظرف خبرا مقدّما كما تقول: من ورائك زيد. والحجة لمن نصب: أنه ردّه بالواو على قوله: وبشّرناها. وجعل البشارة بمعنى الهبة فكأنه قال:
ووهبنا لها من وراء إسحاق يعقوب. وكان بعض النحاة يقول: هو في موضع خفض، إلا أنه لا ينصرف. وهذا بعيد، لأنه عطفه على عاملين (الباء) «٦» و (من).
قوله تعالى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ «٧». يقرأ بقطع الألف ووصلها. فالحجة لمن قطع: أنه أخذه من: «أسرى». ودليله قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى «٨». والحجة لمن وصل:
أنه أخذه من سرى، وهما لغتان أسرى وسرى. وبيت النابغة «٩» شاهد لهما.
(١) الإسراء: ٥٩.
(٢) الإخلاص: ١، ٢.
(٣) هود: ٦١.
(٤) هاتان القراءتان في قوله تعالى قالَ سَلامٌ وأما قوله: قالُوا سَلاماً: فاتفق القراء العشرة على قراءته بفتح السين، وألف بعدها. (انظر: شرح الشاطبيّة لابن القاصح: ٢٣٤). والتيسير لابن سعيد الدّاني: ١٢٥.
(٥) هود: ٧١.
(٦) في قوله تعالى: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ «الآية نفسها».
(٧) هود: ٨١.
(٨) الإسراء: ١.
(٩) النابغة: هو زياد بن معاوية، ويكني: أبا أمامة، ويقال: يكني أبا ثمامة وأهل الحجاز يفضلون النابغة وزهيرا، ويقال: كان النابغة أحسنهم ديباجة شعر وأكثرهم رونق كلام، وأجزلهم بيتا، كان شعره كلاما ليس فيه تكلّف.
أنظر: (الشعر والشعراء لابن قتيبة: ١٥٧).