قوله تعالى: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ «١». يقرأ بتقديم الياء قبل الهمزة فيكون الياء فاء الفعل. وبتقديم الهمزة قبل الياء فيكون الياء عين الفعل. ومثله حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ «٢».
فالحجة لمن جعل الياء فاء الفعل «٣»: أنه أخذه من قولهم: يئس، ييأس «٤» يأسا. والحجة لمن جعل الهمزة فاء الفعل: أنه أخذه من قولهم: أيس يأيس إياسا «٥».
وقد قرئ بتخفيف الهمزة. فالحجة لمن خففها، وجعل الياء فاء الفعل «٦»: أنه يجعلها ياء مشددة، لأنه أدغم فاء الفعل، لسكونها في العين (وحركها «٧») بحركتها. والحجة لمن خففها، والهمزة فاء الفعل: أنه يجعلها ألفا خفيفة للفتحة قبلها «٨».
قوله تعالى: خَيْرٌ حافِظاً «٩». يقرأ بإثبات الألف بعد الحاء، وبحذفها. والأصل فيهما: والله خيركم حفظا، وحافظا، فنصب قوله: (حفظا) على التمييز ونصب قوله:
«حافظا» على الحال، ويحتمل التمييز. وإنما كان أصله الإضافة، فلما حذفها خلفها بالتنوين.
فإن قيل: فما الفرق بين قولهم: زيد أفره عبد بالخفض، وزيد أفره عبد بالخفض، وزيد أفره عبدا بالنصب؟
فقل إذا خفضوا فالفاره هو: العبد، وإنما مدحته في ذاته، وإذا نصبوا فالعبد غير زيد، ومعناه: زيد أفرهكم عبدا أو أفره عبدا من غيره. فهذا فرقان بيّن.
(١) يوسف: ٨٠.
(٢) يوسف: ١١٠.
(٣) في الأصل: عين الفعل، وهو لا يتفق مع الأسلوب.
(٤) وفيه لغة أخرى: يئس ييئس بالكسر فيهما.
قال الجوهري: وهو شاذ.
وقال سيبويه: وهذا عند أصحابنا إنما يجيء على لغتين:
يعني: يئس ييأس، ويأس ييئس لغتان لم يركب منهما لغة. انظر: الصحاح للجوهري: مادة يئس).
(٥) قال في المعجم الوسيط: أيس منه أيسا، وإياسا مادة: أس.
(٦) في الأصل: عين الفعل.
(٧) زيادة مني لإصلاح الأسلوب.
(٨) هي قراءة ابن كثير، لأنه قرأ (استأيسوا) ولا (تايسوا) (إنه لا يايس) (أفلم يايس) بألف من غير همز على القلب فقدمت الهمزة، وأخرت الياء، ثم قلبت الهمزة ألفا، لأنها ساكنة قبلها فتحة. قال القرطبي: والأصل:
قراءة الجماعة، لأن المصدر ما جاء إلا على تقديم الياء- يأسا- والإياس ليس بمصدر أيس، بل هو مصدر:
أسته أوسا، وإياسا أي أعطيته (القرطبي ٩: ٢٤١).
(٩) يوسف: ٦٤.