قوله تعالى: إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ «١». يقرأ بالياء والنون، وفتح الحاء مع الياء ذكرها مع النون. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه جعله فعل ما لم يسم فاعله. والحجة لمن قرأه بالنون أنه جعله من إخبار الله تعالى عن نفسه بالنّون.
قوله تعالى: أَإِنَّكَ «٢». يقرأ بهمزتين محققتين وبهمزة ومدة وياء بعدها، وبالإخبار من غير استفهام. فالحجة لمن حقّق: أنّ الأولى للاستفهام، والثانية همزة إنّ، فأتى بهما على أصلهما. والحجة لمن همزه ومدّ وأتى بالياء: أنه فرّق بين الهمزتين بمدّة، ثم ليّن الثانية فصارت ياء لانكسارها. والحجة لمن أخبر ولم يستفهم: أجابته لهم بقوله:
(أنا يوسف). ولو كانوا مستفهمين لأجابهم بنعم، أولا، ولكنهم أنكروه فأجابهم محقّقا.
قوله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ «٣». القراءة بكسر القاف وحذف الياء علامة للجزم بالشّرط إلا ما رواه (قنبل) «٤» عن (ابن كثير) «٥» بإثبات الياء. وله في إثباتها وجهان:
أحدهما: أن من العرب من يجرى الفعل المعتل مجرى الصحيح فيقول: لم يأتي زيد، وأنشد:
ألم يأتيك والأنباء تنمى ... بما لاقت لبون بني زياد
«٦» والاختيار في مثل هذا حذف الياء للجازم، لأن دخول الجازم على الأفعال يحذف الحركات الدّالة على الرفع إذا وجدها. فإن عدمها لعلة حذفت الحروف التي تولّدت منها
(١) يوسف: ١٠٩.
(٢) يوسف: ٩٠.
(٣) يوسف: ٩٠.
(٤) قنبل: محمد بن عبد الرحمن بن خالد بن محمد بن سعيد أبو عمر المخزومي مولاهم، المكّي: الملقّب بقنبل، شيخ القرّاء بالحجاز. وقد انتهت إليه رئاسة الإقراء بالحجاز، ورحل الناس إليه من الأقطار، ومات سنة إحدى وتسعين ومائتين عن ست وتسعين سنة. انظر: (غاية النهاية ٢: ١٦٦).
(٥) ابن كثير: سبقت ترجمته ص ٣٧.
(٦) البيت لقيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي، وكان سيد قومه نشأت بينه وبين الربيع بن زياد العبسي شحناء في شأن درع ساومه فيها، فأخذها منه فلم يردّها عليه، فاعترض قيس بن زهير أم الربيع فاطمة بنت الخرشب في ظعائن من بني عبس، يريد أن يرتهن ناقتها بدرعه، ثم خلّى سبيلها، فقال قصيدته التي من أبياتها هذا البيت:
انظر: (الخزانة ٣: ٥٣٤، ومعاني القرآن للفراء ١: ١٦١، ٢: ١٨٨، ٢٢٣، والمحتسب لابن جني ١: ٦٧، ١٩٦، والكتاب لسيبويه ٢: ٥٩).