فإن قيل: ما وجه مدحه بالصبر وقد شكا بهذا القول؟ فقل: إن شكواه هاهنا على طريق الاستغاثة بالله، والسؤال له، وإنما وجه الذم أن يشكو إلى مخلوق مثله لا يملك له ضرّا ولا نفعا. ودليل ذلك قول يعقوب عليه السلام إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ «١»، لأن كل غني فقير إليه وكل قوي ضعيف لديه ولم يعط أحد الاسترجاع عند المصائب إلّا نبينا صلى الله عليه وسلم وأمته، ودليل ذلك قول يعقوب لما تولى عن أولاده: يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ «٢».
قوله تعالى: وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ «٣». إسكان الياء إجماع إلّا ما رواه (حفص) عن (عاصم) بالفتح لقلة الاسم وكذلك قوله: وَعَزَّنِي «٤» بالتشديد إجماع إلّا ما رواه أيضا عنه بالتشديد وإثبات الألف «٥». وهما لغتان معناهما: غالبتني وغلبتني.
قوله تعالى: أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ «٦». يقرأ بهمزتين الأولى مفتوحة والثانية مضمومة.
وبهمزة واحدة، وبهمزة وواو بعدها. ومثله: أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا «٧». فالحجة لمن أثبت الهمزتين: أنه أتى بالكلام على أصله ووفّاه ما أوجبه القياس له، الأولى همزة الاستفهام، والثانية ألف القطع. والحجة لمن قرأه بهمزة واحدة: أنه أخبر ولم يستفهم.
والحجة لمن قرأه بهمزة، وواو: أنه حقّق الأولى وخفّف الثانية وكانت مضمومة فصارت في اللفظ واوا.
قوله تعالى: وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ «٨». إجماع القراء على لفظ الجمع إلّا ما قرأه ابن كثير من التوحيد. فالحجة لمن جمع: أنه أتى بالكلام على ما أوجب له من تفصيل الجمع بعده «٩». والحجة لمن وحّد: أنّه اجتزأ بلفظ الواحد من الجمع لدلالة ما يأتي عليه.
(١) يوسف: ٨٦.
(٢) يوسف: ٨٤.
(٣) ص: ٢٣.
(٤) ص: ٢٣.
(٥) والمصحف الذي بين أيدينا وهو رواية حفص، خلا من رواية التشديد، وإثبات الألف ولم يخرج عن الإجماع.
(٦) ص: ٨.
(٧) القمر: ٢٥.
(٨) ص: ٤٥.
(٩) أعني إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب (في الآية نفسها).