لأنه جمع بها هاهنا بين التبديل وبين ظهور الفساد. والحجة لمن ضم الياء: أنه ردّ الكلام على أوله وأتى به على سياقه، فأضمر الفاعل فيه كما أضمره في قوله: أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ «١» فنصب (الفساد) بتعدّي الفعل إليه. والحجة لمن فتح الياء: أنه قطع الفساد وظهوره من التبديل، فأفرده بفعله، ورفعه به.
ومعناه: فإن يبدّل دينكم ظهر في الأرض الفساد قوله تعالى: إِنِّي عُذْتُ «٢». يقرأ بإدغام الذال في التاء لقرب المخرج. وبإظهار الذال على الأصل، لأن الحرفين غير متجانسين.
قوله تعالى: عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ «٣». إجماع القراء هاهنا على الإضافة إلا (أبا عمرو) فإنه نوّن (القلب). فالحجة لمن أضاف: أنه جعل القلب خلفا من اسم محذوف «٤»، فأقامه مقامه عند الكوفيين. وهو عند البصريين صفة قامت مقام الموصوف.
ومعناه عندهم «٥»: على كل قلب رجل متكبّر. أو يريد به: التقديم والتأخير، كما حكى عن بعض فصحاء العرب: أن فلانا لممّن يرجّل شعره كل يوم جمعة أراد كلّ يوم جمعة فقدّم وأخر. والحجة لأبي عمرو: أنه جعل الفعل للقلب لأنه ملك البدن ومستقر الكبر، لأن الكبر إذا سكنه تكبّر له صاحبه، ودليل ذلك قوله فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ «٦»، لأن الأعناق إذا ذلت وخضعت ذل لذلك وخضع أربابها.
ومعنى تكبّر القلب: قسوته، لأنه إذا قسا ترك الطاعة. والجبار في اللغة: الذي يقتل على الغضب ودليله قوله: بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ «٧».
فإن قيل: فقد مدح الله نفسه بهذا الاسم الذي ذم به خلقه. فقل: موضع المدح لله تعالى أنه أجبر عباده على ما أراد منهم وأحياهم وأماتهم فهي صفة لا تليق إلا به ومدح لا يجب إلا له فإذا اكتسى ذلك من لا يجب له كان مذموما به.
(١) المؤمن: ٢٦.
(٢) المؤمن: ٢٧.
(٣) المؤمن: ٣٥.
(٤) أي على كل ذي قلب متكبر، تجعل الصفة لصاحب القلب. انظر: (الكشاف للزمخشري ٤: ١٦٧).
(٥) في الأصل «عندهما»، والأنسب أن يكون كما ذكرت لأن الضمير راجع إلى البصريين وهم جمع.
(٦) الشعراء: ٤.
(٧) الشعراء: ١٣٠.