هذا التفرق بعد الاجتماع والتلاقي الذي أضيف اليوم إليهما، وذلك بعد الأخذ للمظلوم من الظالم، وقد بيّن هذا بقوله:
فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ الشورى/ ٧ فأما قوله:
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ عبس/ ٣٤، ٣٥ وقد قال: يَوْمَ الْجَمْعِ ويَوْمَ التَّلاقِ، فليس يراد بالفرار المضاف إليه اليوم الشّراد ولا النّفار، وأنت قد تقول لمن تكلّم: فررت مما لزمك، لا تريد بذلك بعادا في المحل.
وتقدير يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ: يوم يفر المرء من موالاة أخيه، أو من «١» نصرته. كما كانوا، أو من مساءلة أخيه لاهتمامه بشأنه، فالفرار من موالاته يدل عليه قوله: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا البقرة/ ١٦٦ وأما الفرار من نصرته على حد ما كانوا يتناصرون في الدنيا، فيدل عليه قوله:
يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ الدخان/ ٤١، ٤٢ والمسألة يدل عليها قوله: وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً المعارج/ ١٠.
وقد روي أنّ بعضهم قرأ: يَوْمَ التَّنادِ «٢» المؤمن/ ٣٢ وكأنه اعتبر يوم يفرّ المرء من أخيه، فجعل التنادّ تفاعلا من ندّ البعير: إذا شرد ونفر، وليس ذلك بالوجه، ألا ترى أنه ليس يسهل «٣» أن تقول: نددت من ما لزمك، ولا ناددت منه، كما تقول: فررت منه؟ ونرى سيبويه يستعمل في هذا المعنى فرّ كثيرا، ولا يستعمل ندّ، فليس هذا الاعتبار إذا بالوجه. وأما
(١) في (ط): ومن.
(٢) وهي قراءة ابن عباس والضحاك وأبي صالح والكلبي (المحتسب ٢/ ٢٤٣).
(٣) في (ط): أنه لا يسهل.