فإن قال قائل: هذا جائز فى الألفاظ المختلفة إذا كان المعنى واحدا، فهل يجوز أيضا إذا اختلفت المعانى؟.
قيل له: الاختلاف نوعان: اختلاف تغاير، واختلاف تضاد «فاختلاف التضاد» لا يجوز، ولست واجده بحمد الله فى شئ من القرآن إلا فى الأمر والنهى من الناسخ والمنسوخ.
«واختلاف التغاير» جائز، وذلك مثل قوله: وادكر بعد أمة أى بعد نسيان له، والمعنيان جميعا وإن اختلفا صحيحان؛ لأنه ذكر أمر «يوسف» بعد حين وبعد نسيان له، فأنزل الله على لسان نبيه، صلى الله عليه وسلم بالمعنيين جميعا فى غرضين.
وكقوله: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} أى تقبلونه وتقولونه، و «تلقونه» من الولق، وهو الكذب، والمعنيان جميعا وإن اختلفا صحيحان؛ لأنهم قبلوه وقالوه، وهو كذب، فأنزل الله على نبيه بالمعنيين جميعا فى غرضين.
وكقوله: {رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا} على طريق الدعاء، و «ربّنا باعد بين أسفارنا» على جهة الخبر، والمعنيان وإن اختلفا صحيحان؛ لأن أهل سبأ سألوا الله أن يفرقهم فى البلاد فقالوا: {رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا} فلما فرقهم الله فى البلاد، و «باعد بين أسفارهم»، قالوا:
ربنا باعد بين أسفارنا، وأجابنا إلى ما سألنا، فحكى الله سبحانه عنهم بالمعنيين فى غرضين.
وكذلك قوله: {لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} و «لقد علمت ما أنزل هؤلاء» لأن فرعون قال لموسى: إن آياتك التى أتيت بها سحر. فقال موسى مرة: لقد علمت ما هى سحر، ولكنها بصائر. وقال مرة: لقد علمت أنت أيضا ما هى سحر، وما هى إلا بصائر. فأنزل الله المعنيين جميعا.
وقوله: «وأعتدت لهن متكئا» وهو الطعام، و «أعتدت لهن متكا» وهو الأترجّ، ويقال:
الزّماورد، فدلت هذه القراءة على معنى ذلك الطعام، وأنزل الله بالمعنيين جميعا.
وكذلك «ننشرها» {نُنْشِزُها}؛ لأن الإنشار: الإحياء، والإنشاز هو: التحريك للنقل، والحياة حركة، فلا فرق بينهما.
وكذلك: {فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} و «فرغ»؛ لأن فزع: خفف عنها الفزع، وفرغ: فرغ عنها الفزع.
وكل ما فى القرآن من تقديم أو تأخير، أو زيادة أو نقصا، فعلى مثل هذه السبيل.
***
فإن قال قائل: فهل يجوز لنا أن نقرأ بجميع هذه الوجوه؟
قيل له: كل ما كان منها موافقا لمصحفنا غير خارج من رسم كتابه-جاز لنا أن نقرأ به. وليس لنا ذلك فيما خالفه؛ لأن المتقدمين من الصحابة والتابعين، قرأوا بلغاتهم، وجروا