فليس هذا على حكاية ما سمع لفظا. ألا تراه إذا قيل له: قد انطلق زيد فقال: بلغنى أن زيدا منطلق، كان صادقا، وإن لم يؤدّ نفس اللفظ الذى سمعه، لكنه أدى معناه؟ وإن كسر فقال: إنّ الحمد لله، فهو مؤد لنفس اللفظ وحاك له البتة.
***
{لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (١٤) ومن ذلك قراءة ابن شعيب قال: سمعت يحيى بن الحارث يقرأ: «لنظّر كيف تعملون»، نون واحدة. قال: فقلت له: ما سمعت أحدا يقرؤها، قال: هكذا رأيتها فى الإمام: مصحف عثمان. أيوب، عن يحيى، عن ابن عامر: «لنظّر»، بنون واحدة مثله.
قال أبو الفتح: ظاهر هذا أنه أدغم نون ننظر فى الظاء، وهذا لا يعرف فى اللغة، ويشبه أن تكون مخفاة فظنها القراء مدغمة على عادتهم فى تحصيل كثير من الإخفاء إلى أن يظنوه مدغما. وذلك أن النون لا تدغم إلا فى ستة أحرف ويجمعها قولك: يرملون.
***
{وَلا أَدْراكُمْ بِهِ} (١٦) ومن ذلك قراءة ابن عباس والحسن وابن سيرين: «ولا أدرأتكم به».
قال أبو الفتح: هذه قراءة قديمة التناكر لها والتعجب منها. ولعمرى إنها فى بادئ أمرها على ذلك، غير أن لها وجها وإن كانت فيه صنعة وإطاعة.
وطريقه أن يكون أراد «ولا أدريتكم به» ثم قلب الياء لانفتاح ما قبلها وإن كانت ساكنة-ألفا، كقولهم فى ييئس: ياءس، وفى ييبس يابس. وكقولهم: ضرب عليهم ساية، وإنما يريد سيّة، وهى فعلة من سوّيت، فقلبت الواو ياء وأدغمت فى الياء فصار سيّه، ثم قلبت الياء الأولى لانفتاح ما قبلها وإن كانت ساكنة-ألفا، فصارت ساية.
وقالوا فى الإضافة إلى الحيرة: حارىّ، وإلى طىّ طائىّ، وقالوا: حاحيت وعاييت وهاهيت. والأصل حيحيت وعيعيت وهيهيت، فقلبت الياءات السواكن فى هذه